التعليم المفتوح والمدمج في مصر: قصة التحول من الشهادة الأكاديمية إلى المهنية

شهد نظام التعليم العالي في مصر تحولاً جذرياً في السنوات الأخيرة، تمثل في قرار المجلس الأعلى للجامعات بإنهاء العمل بنظام التعليم المفتوح التقليدي واستبداله بنظام التعليم الإلكتروني المدمج. أثار هذا التحول جدلاً واسعاً، تركز جوهره حول طبيعة الشهادة الممنوحة للخريجين، وانتقالها من شهادة "أكاديمية" إلى "مهنية"، مما أعاد تشكيل مستقبل آلاف الطلاب الذين كانوا يرون في هذا المسار فرصة لاستكمال تعليمهم الجامعي.

خلفية تاريخية: صعود نظام التعليم المفتوح

انطلق برنامج التعليم المفتوح في مصر مطلع التسعينيات كحل لتلبية رغبات شريحة كبيرة من المجتمع في الحصول على مؤهل جامعي، خاصة من فاتهم قطار التعليم الجامعي التقليدي أو العاملين الراغبين في تحسين مستواهم الأكاديمي والوظيفي. وقد أتاح النظام الحصول على درجات علمية معتمدة مثل البكالوريوس والليسانس، مما منحه شعبية واسعة على مدى عقود. ومع مرور الوقت، بدأت تظهر تحديات كبيرة واجهت النظام، أبرزها تضخم أعداد الملتحقين به، وظهور انتقادات حول جودة المخرجات التعليمية، وتصور عام في سوق العمل بأن شهادته أقل قيمة من شهادة التعليم النظامي.

قرار التحول: ميلاد التعليم الإلكتروني المدمج

في ضوء التحديات المتزايدة، اتخذ المجلس الأعلى للجامعات في عام 2017 قراراً حاسماً بإيقاف قبول طلاب جدد في برامج التعليم المفتوح بشكله القديم. وجاء البديل متمثلاً في "التعليم الإلكتروني المدمج"، وهو نموذج يجمع بين المحاضرات عبر الإنترنت واللقاءات المباشرة في الحرم الجامعي بنسب محددة، بهدف مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية في مجال التعليم. وقد تم السماح للطلاب المسجلين بالفعل في النظام القديم باستكمال دراستهم والحصول على شهاداتهم الأكاديمية وفقاً للوائح التي التحقوا بها.

جوهر الجدل: الشهادة الأكاديمية مقابل المهنية

يكمن الخلاف الرئيسي في طبيعة الشهادة التي يمنحها النظام الجديد. فبينما كان التعليم المفتوح يمنح شهادة أكاديمية، تتيح لحاملها استكمال الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) والتسجيل في النقابات المهنية المختلفة، فإن نظام التعليم المدمج يمنح في معظم برامجه شهادة مهنية. وتوضح وزارة التعليم العالي أن الهدف من الشهادة المهنية هو صقل المهارات وتلبية متطلبات سوق العمل في مجالات محددة، لكنها لا تؤهل حاملها بشكل مباشر لمسارات الدراسات العليا الأكاديمية أو عضوية النقابات التي تشترط المؤهل الأكاديمي التقليدي.

التداعيات وردود الفعل

أدى هذا التغيير إلى حالة من الارتباك والغضب بين قطاع كبير من الطلاب الملتحقين بالبرامج الجديدة، حيث شعر الكثيرون منهم بأنهم لم يكونوا على دراية كاملة بطبيعة الشهادة التي سيحصلون عليها عند التقديم. وقد ترتب على ذلك عدة أمور:

مطالبات مستمرة من طلاب التعليم المدمج بمعادلة شهاداتهم بالشهادات الأكاديمية.
تنظيم وقفات احتجاجية وتوجيه مناشدات للمسؤولين لإعادة النظر في القرار.
تأكيد متكرر من المجلس الأعلى للجامعات على أن النظام الجديد يهدف إلى تطوير مهارات مهنية تطبيقية، وأن المسار الأكاديمي له قنواته التقليدية المعروفة للحفاظ على جودة الشهادة الجامعية المصرية.

لا يزال الوضع الراهن يعكس فجوة بين طموحات الطلاب ورؤية المنظومة التعليمية الرسمية. ففي حين ترى الوزارة أن التحول نحو الشهادة المهنية هو خطوة ضرورية لضبط جودة التعليم العالي وربطه باحتياجات السوق، يرى الطلاب أن هذا القرار يغلق أمامهم أبواباً مهمة للترقي الأكاديمي والمهني كانوا يطمحون إليها.