تطورات سد النهضة: خبير يوضح دلالات فتح المفيض العلوي وتوقف التوربينات

كشفت تحليلات حديثة لصور الأقمار الصناعية وبيانات الخبراء، خلال الأيام القليلة الماضية، عن مستجدات فنية هامة في مشروع سد النهضة الإثيوبي، وذلك عقب اكتمال مرحلة الملء الرابع لخزان السد. تركزت هذه التطورات، التي أبرزها خبراء في مجال الموارد المائية وعلى رأسهم الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، حول نقطتين رئيسيتين: بدء تدفق المياه عبر المفيض العلوي للسد، وتوقف التوربينين الوحيدين اللذين كانا يعملان بشكل متقطع.

خلفية عن المشروع والأزمة

يعد سد النهضة مشروعًا ضخمًا لتوليد الطاقة الكهرومائية تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل. بينما تعتبره أديس أبابا حجر الزاوية في خططها التنموية لتوفير الكهرباء لملايين المواطنين ودفع عجلة الاقتصاد، تنظر إليه دولتا المصب، مصر والسودان، بقلق بالغ. يعتمد البلدان بشكل شبه كامل على مياه النيل لتلبية احتياجاتهما المائية، ويثير تشغيل السد وملؤه بشكل أحادي مخاوف جدية بشأن أمنهما المائي واستقرار تدفق النهر، خاصة في فترات الجفاف.

التطورات الفنية الأخيرة

بعد إتمام عملية الملء الرابع في أوائل سبتمبر الماضي، والتي رفعت إجمالي المياه المخزنة في بحيرة السد إلى ما يقارب 41 مليار متر مكعب، ظهرت عدة متغيرات فنية على الأرض. هذه المتغيرات تقدم مؤشرات واضحة حول الوضع التشغيلي الحالي للسد.

فتح بوابة المفيض العلوي: مع وصول منسوب المياه في البحيرة إلى ارتفاعه المستهدف للمرحلة الرابعة، بدأت المياه بالتدفق طبيعيًا فوق الممر الأوسط للسد، وهو ما يُعرف فنيًا بـ "المفيض العلوي". يعتبر هذا الإجراء دليلاً قاطعًا على اكتمال الملء الرابع، حيث يتم تصريف المياه الزائدة للحفاظ على سلامة هيكل السد.
توقف التوربينات عن العمل: لاحظ الخبراء توقف تشغيل التوربينين منخفضي القدرة اللذين كانت إثيوبيا قد أعلنت عن بدء تشغيلهما في أوقات سابقة. يشير هذا التوقف إلى أن عملية توليد الكهرباء ليست مستمرة كما كان معلنًا، وقد يعود ذلك لأسباب فنية، أو لعدم كفاية ضغط المياه (الارتفاع) اللازم لتشغيلهما بكفاءة مستمرة في هذه المرحلة.

التحليل والآثار المترتبة

يرى المراقبون أن هذه المستجدات تحمل دلالات متعددة. أولاً، يؤكد عبور المياه من المفيض العلوي مضي إثيوبيا في فرض سياسة الأمر الواقع، باستكمال مراحل الملء بشكل أحادي دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع مصر والسودان. ثانيًا، يثير توقف التوربينات تساؤلات حول الفائدة الاقتصادية الفورية للمشروع وقدرته الفعلية على توليد الكهرباء بانتظام في الوقت الراهن.

بالنسبة لدول المصب، فإن الخطر الأكبر لا يزال يتمثل في غياب آلية تنسيق مشتركة وقواعد واضحة وملزمة لتشغيل السد، خاصة خلال سنوات الجفاف المنخفضة الإيراد. فبينما تمتلك مصر مخزونًا استراتيجيًا كبيرًا في بحيرة ناصر يمكنه التخفيف من آثار الملء الحالي، يبقى القلق المستقبلي قائمًا، فيما يواجه السودان تحديات مباشرة تتعلق بسلامة سدوده وتأثر أراضيه الزراعية بالتغيرات المفاجئة في تدفق النهر.

الموقف الدبلوماسي الراهن

تأتي هذه التطورات الفنية في ظل جمود مستمر في المسار التفاوضي الثلاثي. على الرغم من استئناف جولات الحوار مؤخرًا، لم يتم إحراز أي تقدم يذكر. تتمسك مصر والسودان بضرورة التوصل إلى اتفاقية قانونية ملزمة تنظم عمليتي الملء والتشغيل، بينما تؤكد إثيوبيا على حقها السيادي في استغلال مواردها المائية لتحقيق التنمية، معتبرة أن الاتفاقيات المقترحة يجب أن تكون إرشادية وغير ملزمة. ولا يزال الخلاف حول آليات فض النزاع والتعامل مع سنوات الجفاف من أبرز نقاط الخلاف التي تعيق التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.