الأردن يشهد تحولاً نوعياً في الثقافة الرقمية بتأكيد خبراء التكنولوجيا

شهد الأردن خلال السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال الثقافة الرقمية، ما دفع خبراء تكنولوجيا المعلومات إلى التأكيد على أن المملكة تمر حالياً بنقلة نوعية حقيقية في هذا القطاع الحيوي. هذا التحول لا يقتصر على مجرد زيادة في استخدام الأدوات الرقمية، بل يمتد ليشمل تعميق الوعي الرقمي، وتطوير المهارات التكنولوجية لدى الأفراد، وتبني الحلول الرقمية في مختلف جوانب الحياة اليومية والمؤسسية.

خلفية التحول الرقمي في الأردن

تُعد الثقافة الرقمية بمثابة مجموعة المعارف والمهارات والسلوكيات التي تمكّن الأفراد والمجتمعات من التفاعل بفعالية وأمان مع العالم الرقمي. لأي دولة تسعى للتقدم الاقتصادي والاجتماعي في القرن الحادي والعشرين، يصبح تبني ثقافة رقمية قوية أمراً حاسماً. في الأردن، لم يكن هذا التحول وليد اللحظة، بل هو نتاج جهود متواصلة على مدار عقود بدأت مع إدخال الإنترنت وتطوير البنية التحتية للاتصالات.

منذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، أدركت الحكومة الأردنية أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. شهدت تلك الفترة إطلاق مبادرات مثل برنامج الحكومة الإلكترونية الذي هدف إلى رقمنة الخدمات الحكومية وتسهيل وصول المواطنين إليها. كما ساهمت الجامعات والمؤسسات التعليمية في تخريج كوادر متخصصة في تكنولوجيا المعلومات، مما أسس قاعدة بشرية مهمة للنمو الرقمي.

ومع تزايد انتشار الهواتف الذكية وتوفر الإنترنت عريض النطاق بأسعار معقولة، تسارعت وتيرة التبني الرقمي. أصبحت المنصات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب الأردني، ما مهد الطريق لاستقبال المزيد من الابتكارات والتحولات الكبرى.

التطورات الأخيرة ومحركات النمو

تستند النقلة النوعية التي يشهدها الأردن في الثقافة الرقمية إلى عدة عوامل ومبادرات رئيسية تم تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية. من أبرز هذه العوامل:

ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت والوصول إلى الهواتف الذكية: أصبحت الغالبية العظمى من السكان تتمتع بإمكانية الوصول إلى الإنترنت، مما يسهل تبني التطبيقات والخدمات الرقمية.
نمو الاقتصاد الرقمي: شهدت المملكة ازدهاراً في قطاع التجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية والتعليم عن بعد والرعاية الصحية الرقمية. أدت جائحة كوفيد-19، على الرغم من تحدياتها، إلى تسريع وتيرة هذا النمو بشكل كبير، حيث اضطرت قطاعات واسعة من المجتمع والشركات إلى الاعتماد على الحلول الرقمية.
المبادرات الحكومية الطموحة: تبنت الحكومة الأردنية استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي، تهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز الأمن السيبراني، وتشجيع الابتكار في القطاع الرقمي. من الأمثلة على ذلك، مبادرات لرقمنة المزيد من الخدمات الحكومية وتطوير الهوية الرقمية للمواطنين.
دور القطاع الخاص وريادة الأعمال: ساهمت الشركات الناشئة والشركات الكبيرة في تطوير حلول رقمية مبتكرة تلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، مما عزز من ثقافة الابتكار الرقمي.
التركيز على التعليم والتدريب الرقمي: تعمل المؤسسات التعليمية ومراكز التدريب على إدراج المهارات الرقمية في المناهج الدراسية وتقديم برامج تدريبية متخصصة لرفع كفاءة القوى العاملة في مجالات مثل البرمجة، تحليل البيانات، والأمن السيبراني.

هذه الجهود المتضافرة أدت إلى تغيير ملموس في كيفية تفاعل الأفراد مع التكنولوجيا، من مجرد مستهلكين إلى مشاركين وفاعلين في البيئة الرقمية.

وجهات نظر الخبراء وأهمية التحول

أكد خبراء تكنولوجيا المعلومات أن هذه النقلة النوعية تضع الأردن على مسار صحيح نحو بناء اقتصاد رقمي مزدهر ومجتمع معرفي. يرى الخبراء أن التحول لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يشمل أيضاً تغييرات اجتماعية وثقافية عميقة.

على سبيل المثال، يشير العديد منهم إلى زيادة الوعي بأهمية الأمن السيبراني وخصوصية البيانات بين المستخدمين الأردنيين، وهو مؤشر على نضج الثقافة الرقمية. كما أن تبني الشركات الصغيرة والمتوسطة للحلول الرقمية في عملياتها اليومية يعكس فهماً أعمق لقيمة التكنولوجيا في تعزيز الكفاءة والقدرة التنافسية. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذه النقلة تتطلب استثماراً مستمراً في البنية التحتية، وفي تطوير الكفاءات البشرية، وفي مواكبة التغيرات التكنولوجية المتسارعة للحفاظ على الزخم.

تعد هذه التطورات مهمة للأردن لعدة أسباب. على الصعيد الاقتصادي، تساهم في خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الصادرات في قطاع تكنولوجيا المعلومات. اجتماعياً، تحسن الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وتمكّن الأفراد من المشاركة بشكل أكبر في الحياة العامة. كما تعزز من قدرة الأردن على المنافسة إقليمياً وعالمياً كمركز للابتكار والتكنولوجيا.

التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من الإنجازات المحققة، لا تزال هناك تحديات يتعين على الأردن مواجهتها للحفاظ على مسار النمو الرقمي. من أبرز هذه التحديات:

سد الفجوة الرقمية: ضمان وصول عادل ومتكافئ للتقنيات الرقمية لجميع شرائح المجتمع، خاصة في المناطق الأقل حظاً.
مواكبة التطورات التكنولوجية: الاستثمار المستمر في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، البلوك تشين، وإنترنت الأشياء، وتدريب الكفاءات اللازمة للتعامل معها.
تعزيز الأمن السيبراني: حماية البنية التحتية الرقمية الحيوية وبيانات المواطنين والشركات من التهديدات المتزايدة.
تطوير المحتوى الرقمي المحلي: تشجيع إنتاج محتوى رقمي عربي عالي الجودة يلبي احتياجات المستخدمين المحليين ويعكس الثقافة الأردنية.

بشكل عام، فإن النظرة المستقبلية للثقافة الرقمية في الأردن تبدو واعدة. فمع استمرار الدعم الحكومي، وتفاعل القطاع الخاص، والمشاركة المجتمعية، من المتوقع أن يواصل الأردن تعزيز مكانته كدولة رائدة في التحول الرقمي على مستوى المنطقة.

نشر هذا التقرير بتاريخ 20 أكتوبر 2024.