الرئيس الكولومبي يؤكد تمسكه بسياسته رغم تجميد المساعدات الأميركية

أعلن الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، عن موقف حازم برفضه التراجع عن سياساته الداخلية، لا سيما استراتيجيته الجديدة لمكافحة المخدرات، وذلك في مواجهة إجراءات أميركية تمثلت في تعليق التعاون والمساعدات مع بعض الوحدات الأمنية الكولومبية. جاءت تصريحات الرئيس بيترو خلال الأيام القليلة الماضية، لتؤكد على وجود توتر متصاعد في العلاقات بين بوغوتا وواشنطن، الحليفين التاريخيين في المنطقة.

خلفية التوترات بين البلدين

ترتكز العلاقات الكولومبية الأميركية منذ عقود على التعاون الوثيق في مجال مكافحة المخدرات، والذي بلغ ذروته في إطار "خطة كولومبيا" التي ضخت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية واللوجستية الأميركية. إلا أن وصول الرئيس غوستافو بيترو، أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا الحديث، إلى السلطة في عام 2022، أحدث تحولاً جذرياً في هذا النهج. تبنى بيترو سياسة جديدة تعرف باسم "السلام الشامل" (Paz Total)، والتي تهدف إلى إنهاء الصراع المسلح الممتد منذ أكثر من نصف قرن من خلال التفاوض مع الجماعات المسلحة وتجار المخدرات، بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة.

تتضمن استراتيجية بيترو الجديدة وقف عمليات الرش الجوي لمزارع الكوكا بالقوة، والتركيز بدلاً من ذلك على التنمية الريفية وتوفير بدائل اقتصادية للمزارعين، مع ملاحقة كبار قادة عصابات التهريب. هذا التحول أثار قلقاً في دوائر صنع القرار الأميركية، التي تخشى أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في إنتاج الكوكايين وتدفقه نحو الولايات المتحدة.

طبيعة الإجراءات الأميركية وتداعياتها

رداً على هذه التغيرات، وبسبب مخاوف تتعلق بملف حقوق الإنسان، قامت الولايات المتحدة بتعليق تعاونها مع عدد من وحدات الشرطة والجيش الكولومبي. لا تعتبر هذه الإجراءات عقوبات اقتصادية شاملة، بل هي خطوات محددة تستند في جزء منها إلى "قانون ليهي" (Leahy Law) الأميركي، الذي يمنع تقديم المساعدات العسكرية للوحدات الأجنبية المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان دون محاسبة. وتأتي هذه الخطوة لتزيد من الضغط على إدارة بيترو، حيث يعتمد الجيش والشرطة في كولومبيا بشكل كبير على التدريب والمعلومات الاستخباراتية والمعدات الأميركية في عملياتهم.

موقف الرئيس بيترو وتصريحاته

أكد الرئيس بيترو في خطابات وتصريحات متعددة أن سيادة كولومبيا ليست للمساومة، وأن حكومته لن تتراجع عن مسار "السلام الشامل". يجادل بيترو بأن استراتيجية "الحرب على المخدرات" التي دامت عقوداً قد فشلت فشلاً ذريعاً، ولم تسفر إلا عن إراقة الدماء وتدمير المجتمعات المحلية دون أن تحد من المشكلة. وشدد على أن نهجه الجديد يهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف وتجارة المخدرات، وهو ما يتطلب وقتاً ودعماً دولياً مبنياً على التفاهم وليس الإملاءات.

يعتبر بيترو أن الإجراءات الأميركية هي محاولة للضغط على حكومته للعودة إلى السياسات القديمة التي يراها كارثية. وقد صرح بوضوح بأن كولومبيا ستواصل طريقها نحو السلام، حتى لو كان ذلك يعني إعادة تقييم طبيعة التحالف مع الولايات المتحدة في هذا المجال.

الأهمية والسياق الأوسع

تمثل هذه المواجهة اختباراً حقيقياً للعلاقات بين الولايات المتحدة وأحد أهم حلفائها في أميركا اللاتينية. كما أنها تسلط الضوء على النقاش العالمي المتزايد حول أفضل السبل للتعامل مع مشكلة المخدرات العالمية. إن نجاح أو فشل نهج الرئيس بيترو قد يكون له تأثير كبير ليس فقط على مستقبل كولومبيا، بل أيضاً على سياسات مكافحة المخدرات في المنطقة بأكملها. وتراقب الحكومات الأخرى في القارة عن كثب كيفية تطور هذا الخلاف، الذي قد يعيد تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في نصف الكرة الغربي.