تعاون بين وزارتي الاتصالات والسياحة لرقمنة المحتوى الأثري وتطوير خدمات الاتصالات

شهدت مصر مؤخرًا خطوة استراتيجية نحو تعزيز التحول الرقمي في قطاعاتها الحيوية، حيث تم توقيع بروتوكولي تعاون جديدين بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة السياحة والآثار. جرت مراسم التوقيع بحضور الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والدكتور شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، في احتفالية أقيمت بمقر المتحف المصري الكبير. يهدف هذا التعاون إلى تحقيق قفزة نوعية في رقمنة المحتوى الأثري الغني لمصر، بالإضافة إلى رفع كفاءة وتطوير خدمات الاتصالات داخل المواقع الأثرية والمتاحف المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية.

الخلفية والأهمية الاستراتيجية

تأتي هذه المبادرة في إطار التوجه العام للدولة المصرية نحو تحقيق رؤية مصر 2030، التي تضع التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية الذكية في صلب أولوياتها. تُعد السياحة أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المصري ومصدرًا هامًا للعملة الصعبة، كما أن التراث الثقافي والأثري لمصر لا يضاهيه شيء، مما يجعل حمايته والوصول إليه رقميًا أمرًا بالغ الأهمية. لطالما واجهت المواقع الأثرية تحديات تتعلق بضعف البنية التحتية للاتصالات، مما يؤثر على تجربة الزوار ويحد من القدرة على تطبيق حلول الإدارة الذكية.

من هذا المنطلق، تبرز أهمية الشراكة بين وزارتي الاتصالات والسياحة والآثار. فوزارة الاتصالات هي الجهة المسؤولة عن تطوير البنية التحتية الرقمية وتمكين التحول الرقمي في كافة القطاعات، بينما تتولى وزارة السياحة والآثار مسؤولية حماية التراث والترويج للسياحة. يمثل هذا التعاون تآزرًا طبيعيًا يهدف إلى استغلال التكنولوجيا الحديثة لخدمة التراث الإنساني الغني لمصر وتحسين تجربة ملايين الزوار سنويًا. يعكس اختيار المتحف المصري الكبير كموقع للتوقيع رمزيًا هذه الرؤية، كونه أحد أكبر وأحدث المتاحف في العالم ومبنى يجسد المزج بين عراقة الماضي وابتكارات الحاضر.

الأهداف الرئيسية ونطاق التعاون

يرتكز البروتوكولان المبرمان على محورين أساسيين لتحقيق أهداف شاملة تخدم التراث والسياحة في مصر:

رقمنة المحتوى الأثري: يهدف هذا المحور إلى بناء قاعدة بيانات رقمية شاملة للمحتوى الأثري المصري. يشمل ذلك مسح القطع الأثرية وتصويرها بتقنيات عالية الدقة (ثلاثية الأبعاد)، وتوثيق المواقع الأثرية، وإنشاء جولات افتراضية تفاعلية. ستساهم هذه الرقمنة في:
- الحفاظ على التراث: توفير نسخ رقمية آمنة للقطع الأثرية، مما يقلل من مخاطر التلف أو الفقدان ويسهل عمليات الترميم والدراسة.
- إتاحة الوصول: تمكين الباحثين والجمهور من الوصول إلى معلومات مفصلة وصور عالية الجودة للمحتوى الأثري من أي مكان في العالم، مما يعزز البحث العلمي ويزيد الوعي بالتراث المصري.
- تعزيز التجربة السياحية: تطوير تطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز التي تسمح للزوار بتجربة تفاعلية وغامرة للمواقع والمقتنيات الأثرية، وتقديم معلومات إضافية بطرق مبتكرة.
تطوير ورفع كفاءة خدمات الاتصالات: يركز هذا الجانب على تحسين البنية التحتية للاتصالات في المواقع الأثرية والمتاحف. يشمل ذلك:
- توفير شبكات إنترنت عالية السرعة: سواء عبر شبكات الجيل الرابع والخامس (4G/5G) أو الألياف الضوئية، لضمان تغطية قوية وموثوقة.
- تطوير الخدمات الرقمية للزوار: مثل شبكات الواي فاي المجانية، وتطبيقات الدليل السياحي الرقمي، وأنظمة الدفع الإلكتروني.
- دعم الأنظمة الذكية لإدارة المواقع: استخدام تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) لمراقبة المواقع الأثرية، وأنظمة الأمن الذكية، وإدارة الطاقة والمرافق بكفاءة أكبر.
- تسهيل التواصل والترويج: تمكين القائمين على المواقع من التواصل الفعال، وتحميل المحتوى الترويجي عالي الجودة بسرعة، والبث المباشر للأحداث الثقافية.

الآثار والفوائد المتوقعة

من المتوقع أن يحقق هذا التعاون المتكامل العديد من الفوائد على المستويات الثقافية والسياحية والاقتصادية:

للقطاع السياحي: سيساهم في جذب شرائح جديدة من السائحين المهتمين بالتكنولوجيا والتجارب الرقمية، وتعزيز تنافسية المقصد السياحي المصري على الخريطة العالمية. ستتحسن جودة الخدمات المقدمة للزوار، مما يرفع من مستوى رضاهم ويزيد من إنفاقهم.
لحماية التراث: ستوفر الرقمنة أدوات حديثة للحفاظ على التراث المادي وغير المادي، وتسهيل أعمال البحث والترميم، وتقديم فهم أعمق للحضارة المصرية القديمة.
على الصعيد الاقتصادي: سيفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في الشركات الناشئة المتخصصة في تكنولوجيا التراث والسياحة، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الابتكار المحلي في مجال الحلول الرقمية.
لصورة مصر الدولية: يعزز هذا المشروع صورة مصر كدولة حديثة تستفيد من التكنولوجيا للحفاظ على تراثها العريق وتطوير قطاعاتها الحيوية، مما يعكس ريادتها الإقليمية والدولية.

خطوات التنفيذ والتطلعات المستقبلية

بينما يمثل توقيع البروتوكولين نقطة انطلاق هامة، فإن العمل الحقيقي يكمن في مراحل التنفيذ اللاحقة. من المتوقع تشكيل لجان مشتركة بين الوزارتين لوضع خطط تفصيلية للمشروعات، وتحديد الجداول الزمنية، وتخصيص الموارد اللازمة. قد تشمل هذه الخطوات إطلاق مشروعات تجريبية في مواقع محددة، ثم التوسع تدريجيًا لتشمل جميع المواقع والمتاحف ذات الأولوية.

تتطلع مصر من خلال هذه المبادرة إلى دمج الماضي العريق بالمستقبل الرقمي، لخلق تجربة فريدة تجمع بين أصالة الحضارة المصرية وروعة التكنولوجيا الحديثة. هذا التعاون لا يقتصر على مجرد تحديث للبنية التحتية، بل هو رؤية طموحة لمستقبل يعزز مكانة مصر الثقافية والسياحية على الساحة العالمية، ويقدم تراثها الإنساني الغني للأجيال القادمة بطرق مبتكرة ومستدامة.