البيت الأبيض يبدي استياءً متزايداً من السياسات الإسرائيلية

تزايدت في الأشهر الأخيرة المؤشرات على وجود خلافات عميقة وحالة من الإحباط المتنامي داخل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك على خلفية إدارة الحرب في قطاع غزة وتداعياتها الإنسانية. ورغم التأكيد المستمر على الدعم الأمريكي “الراسخ” لأمن إسرائيل، إلا أن التصريحات الرسمية والتسريبات الإعلامية تكشف عن توتر غير مسبوق في العلاقات بين الحليفين المقربين.

خلفية التوترات المتصاعدة

تاريخياً، شكلت الولايات المتحدة الداعم الأبرز لإسرائيل على الساحة الدولية، حيث قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة ودعماً دبلوماسياً قوياً. لكن منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من حرب إسرائيلية واسعة النطاق على قطاع غزة، بدأت الخلافات في الظهور والاتساع. فبينما قدمت واشنطن في البداية دعماً مطلقاً لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، سرعان ما تحول هذا الموقف إلى قلق متزايد مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر.

أبرز نقاط الخلاف

تتركز الخلافات الحالية بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية حول عدة ملفات رئيسية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

حماية المدنيين والوضع الإنساني: أعرب البيت الأبيض مراراً عن قلقه البالغ إزاء الكلفة البشرية للحرب، وطالب إسرائيل باتخاذ تدابير إضافية لحماية أرواح المدنيين الأبرياء. كما انتقد المسؤولون الأمريكيون القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ عمليات إنزال جوي للمساعدات والبدء في إنشاء رصيف بحري مؤقت لإيصالها.
عملية عسكرية محتملة في رفح: تعد مدينة رفح، التي نزح إليها أكثر من مليون فلسطيني، نقطة الخلاف الأشد حساسية. حذرت إدارة بايدن بشكل علني من أن أي هجوم بري واسع النطاق على رفح دون خطة واضحة وموثوقة لحماية المدنيين سيكون بمثابة “خط أحمر”، معربة عن مخاوفها من وقوع كارثة إنسانية.
رؤية “اليوم التالي” للحرب: تضغط واشنطن من أجل وضع خطة واضحة لمستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، ترتكز على حل الدولتين وتتضمن دوراً محورياً لسلطة فلسطينية متجددة. في المقابل، يرفض نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف هذه الرؤية بشكل قاطع، دون تقديم بديل عملي ومقبول دولياً.
توسيع المستوطنات وعنف المستوطنين: يتزايد استياء الإدارة الأمريكية من استمرار الحكومة الإسرائيلية في الموافقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، وتصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من المستوطنين المتطرفين في خطوة نادرة تعكس حجم الإحباط.

مؤشرات علنية على الإحباط

لم يعد التوتر مقتصراً على المحادثات المغلقة، بل ظهر جلياً في تصريحات علنية لمسؤولين أمريكيين كبار. فقد انتقد الرئيس جو بايدن شخصياً أسلوب إدارة نتنياهو للحرب ووصفه بأنه “يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها”. كما وصفت نائبة الرئيس كامالا هاريس الظروف الإنسانية في غزة بأنها “غير إنسانية”، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار لستة أسابيع على الأقل. ويمثل امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لوقف إطلاق النار في مارس الماضي تحولاً دبلوماسياً مهماً، عكس رغبة واشنطن في زيادة الضغط على حليفتها.

الأهمية والتداعيات

يكتسب هذا الخلاف أهمية خاصة لأنه يضع العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أمام اختبار حقيقي. داخلياً، يواجه الرئيس بايدن ضغوطاً متزايدة من الجناح التقدمي في حزبه ومن الناخبين العرب والمسلمين الذين يطالبون بموقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل. وفي المقابل، يواجه نتنياهو ضغوطاً من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يرفضون أي تنازلات. وفي ظل هذه الضغوط المتبادلة، يبقى مستقبل العلاقة بين البلدين ومسار الصراع في المنطقة محاطاً بدرجة كبيرة من عدم اليقين.