إدارة ترامب وسياسة الردع النووي: تطوير أسلحة جديدة وتغيير في العقيدة العسكرية

شهدت فترة رئاسة دونالد ترامب تحولًا بارزًا في السياسة النووية للولايات المتحدة، حيث انتقل التركيز من سياسات خفض التسلح التي تبنتها الإدارات السابقة إلى استراتيجية جديدة ترتكز على تحديث الترسانة النووية وتوسيع خيارات الردع لمواجهة التهديدات المتغيرة من خصوم استراتيجيين مثل روسيا والصين. وقد أثارت هذه السياسات نقاشًا واسعًا على الصعيدين المحلي والدولي حول مستقبل الاستقرار العالمي ومخاطر سباق تسلح جديد.

خلفية: مراجعة الوضع النووي لعام 2018

كانت الوثيقة المحورية التي شكلت هذه السياسة هي "مراجعة الوضع النووي" (NPR) التي أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في فبراير 2018. خلصت المراجعة إلى أن البيئة الأمنية العالمية قد تغيرت بشكل كبير، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى ردع أكثر مرونة ومصداقية. انتقدت الوثيقة روسيا بشكل خاص، متهمة إياها بتبني عقيدة "التصعيد من أجل خفض التصعيد"، والتي تفترض أن استخدام روسيا لأسلحة نووية تكتيكية منخفضة القوة في نزاع إقليمي قد يجبر الولايات المتحدة وحلفاءها على التراجع خوفًا من حرب نووية شاملة. لمواجهة هذا التصور، دعت المراجعة إلى تطوير خيارات نووية أمريكية منخفضة القوة لضمان عدم وجود أي ميزة استراتيجية يمكن للخصم تحقيقها عبر استخدام محدود للأسلحة النووية.

التطورات الرئيسية والأسلحة الجديدة

بناءً على توصيات مراجعة الوضع النووي، اتخذت الإدارة عدة خطوات عملية لتنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة. تمثلت أبرز هذه التطورات في:

تطوير الرأس الحربي W76-2: تمثل الإجراء الأكثر أهمية في إنتاج ونشر الرأس الحربي منخفض القوة W76-2، وهو نسخة معدلة من الرؤوس الحربية الموجودة التي تُطلق من الغواصات. تم نشر هذا السلاح لأول مرة في أواخر عام 2019. الهدف المعلن منه هو تزويد الولايات المتحدة بخيار رد متناسب ضد هجوم نووي محدود، وبالتالي تعزيز مصداقية الردع الأمريكي.
الانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF): في أغسطس 2019، انسحبت الولايات المتحدة رسميًا من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى المبرمة مع روسيا عام 1987. بررت الإدارة قرارها بانتهاكات روسيا المستمرة للمعاهدة عبر تطويرها ونشرها صواريخ محظورة. أزال هذا الانسحاب القيود المفروضة على تطوير الولايات المتحدة للصواريخ التي تُطلق من الأرض بمدى يتراوح بين 500 و5,500 كيلومتر.
مقترحات لأسلحة أخرى: دعت المراجعة أيضًا إلى السعي لتطوير صاروخ كروز جديد يُطلق من البحر ومزوّد برأس نووي (SLCM-N)، بهدف توفير خيارات إضافية للردع الإقليمي.

السياق الاستراتيجي وردود الفعل

تم تأطير هذه السياسات ضمن سياق المنافسة الاستراتيجية المتجددة مع القوى الكبرى. جادلت الإدارة بأن هذه الخطوات كانت ضرورية للحفاظ على السلام من خلال القوة، وإقناع الخصوم بأن أي عدوان، سواء كان نوويًا أو تقليديًا واسع النطاق، سيواجه عواقب وخيمة. ومع ذلك، قوبلت هذه السياسات بانتقادات شديدة من خبراء الحد من التسلح وعدد من الحلفاء والديمقراطيين في الكونغرس. حذر المنتقدون من أن تطوير ونشر أسلحة نووية "أكثر قابلية للاستخدام" يخفض العتبة النفسية والسياسية لاستخدامها، مما يزيد من خطر سوء التقدير والتصعيد غير المقصود الذي قد يؤدي إلى حرب نووية كارثية.

أهمية هذه السياسة

يمثل التوجه الذي تبنته إدارة ترامب تحولًا جوهريًا في العقيدة النووية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة. فبدلاً من التركيز على تقليص دور الأسلحة النووية، أعادت هذه السياسة تأكيد أهميتها كأداة مركزية في استراتيجية الدفاع الوطني، ليس فقط لردع الهجمات النووية، بل أيضًا لردع هجمات استراتيجية غير نووية في الظروف القصوى. هذا النهج أثار جدلاً عميقًا حول ما إذا كان يعزز الأمن أم يقوضه، وترك إرثًا معقدًا من التحديات في مجال السيطرة على الأسلحة النووية التي تواجه الإدارات اللاحقة.