السيسي والبرهان يبحثان الأزمة السودانية تزامناً مع عودة رحلات إثيوبيا إلى بورتسودان

شهدت الساحة الإقليمية مؤخراً تطورين بارزين يتعلقان بالأزمة السودانية؛ الأول دبلوماسي تمثل في مباحثات رفيعة المستوى في القاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والثاني لوجستي حيوي تمثل في استئناف الخطوط الجوية الإثيوبية رحلاتها إلى مدينة بورتسودان، التي أصبحت العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان. هذان الحدثان، رغم اختلاف طبيعتهما، يسلطان الضوء على الجهود متعددة الأوجه للتعامل مع تداعيات الصراع الدائر في البلاد.

مباحثات القاهرة.. دعم مصري لحل النزاع

تركز اللقاء الذي جمع السيسي والبرهان في العاصمة المصرية على استعراض آخر مستجدات الوضع الميداني في السودان والجهود المبذولة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وأكدت الرئاسة المصرية دعمها الكامل لوحدة واستقرار السودان، مشددة على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل يحفظ مؤسسات الدولة ويستجيب لتطلعات الشعب السوداني.

وتأتي هذه المباحثات في إطار الدور المحوري الذي تلعبه مصر كوسيط رئيسي في الأزمة، نظراً للعلاقات التاريخية والحدود الممتدة والمصالح الاستراتيجية المشتركة. كما استقبلت مصر أعداداً كبيرة من اللاجئين السودانيين منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، مما يجعل استقرار السودان أولوية للأمن القومي المصري. وتناولت المحادثات أيضاً سبل تنسيق المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من الحرب.

بورتسودان.. شريان جوي جديد للسودان

في تطور موازٍ على الصعيد العملي، أعلنت شركة الخطوط الجوية الإثيوبية عن استئناف رحلاتها المنتظمة إلى مطار بورتسودان الدولي. تكتسب هذه الخطوة أهمية بالغة كونها تعيد ربط السودان بالعالم الخارجي عبر أحد أكبر شركات الطيران في إفريقيا، وذلك بعد توقف العمليات في مطار الخرطوم الدولي بسبب القتال الدائر وسيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة منه.

وقد تحولت بورتسودان، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، إلى مركز للحكومة السودانية والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية الدولية. وبالتالي، فإن عودة الرحلات الجوية الدولية إليها لا تسهل فقط حركة المسؤولين والدبلوماسيين وعمال الإغاثة، بل تفتح أيضاً نافذة للتجارة المحدودة وتنقل المدنيين، مما يمثل مؤشراً على محاولة تطبيع الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.

الأهمية والسياق الأوسع

يعكس تزامن هذين الحدثين التعقيدات التي تحيط بالملف السوداني. فبينما تستمر الجهود الدبلوماسية الإقليمية بقيادة مصر ودول الجوار لإيجاد مخرج سياسي للأزمة، تأتي الخطوات العملية مثل استئناف الرحلات الجوية لتعزيز موقف الحكومة المعترف بها دولياً وتوفير متنفس حيوي للبلاد المحاصرة بالصراع.

يمكن تلخيص الأبعاد الرئيسية لهذه التطورات في النقاط التالية:

الدور المصري: تأكيد على أن القاهرة هي لاعب أساسي في أي تسوية مستقبلية للأزمة السودانية، وتعمل على احتواء تداعياتها الإقليمية.
أهمية بورتسودان: ترسيخ مكانة المدينة كعاصمة إدارية مؤقتة ومركز لوجستي وسيادي للحكومة السودانية.
البعد الإثيوبي: خطوة براغماتية من إثيوبيا تعكس مصالحها التجارية، وفي الوقت نفسه تمنح دفعة رمزية لحكومة البرهان، على الرغم من التوترات القائمة بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) بشأن ملف سد النهضة.
الوضع الإنساني: تبقى الحاجة الماسة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية هي الدافع الأكبر وراء هذه التحركات الدبلوماسية واللوجستية.

وفي المحصلة، تبرز هذه التطورات مدى تشابك الأبعاد السياسية والإنسانية والاقتصادية في الأزمة السودانية، وتوضح كيف أن الجهود الدولية والإقليمية تسير في مسارات متوازية لمعالجة الصراع وتداعياته المدمرة.