مقترح "الخط الأصفر": تفاصيل العرض الأمريكي لانسحاب مقاتلي حماس داخل غزة

في خضم الجهود الدبلوماسية المكثفة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، كشفت تقارير إعلامية خلال الأشهر القليلة الماضية عن تفاصيل مقترح أمريكي محدد عُرض على حركة حماس عبر الوسطاء، وتحديداً مصر وقطر. تمحور هذا العرض حول فكرة إنشاء ممر آمن لمقاتلي الحركة للانتقال من مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي إلى مناطق أخرى داخل القطاع، وذلك عبر ما اصطُلح على تسميته بـ "الخط الأصفر". ورغم أن هذا المقترح لم يكتب له النجاح، إلا أنه يسلط الضوء على طبيعة الحلول التي كانت تُطرح في الغرف المغلقة لمحاولة جسر الهوة بين مطالب طرفي النزاع.

ما هو "الخط الأصفر"؟

لم يكن "الخط الأصفر" حدوداً فعلية أو جداراً مرسوماً على الأرض، بل هو مصطلح استُخدم في إطار المفاوضات لوصف خط افتراضي يفصل بين المناطق التي بسط الجيش الإسرائيلي سيطرته العملياتية عليها في شمال ووسط قطاع غزة، والمناطق التي كانت لا تزال تحت نفوذ حركة حماس، وخصوصاً في الجنوب. كان هذا الخط يمثل فعلياً خطوط التماس العسكرية المتغيرة، ويهدف المقترح إلى استخدامه كنقطة عبور منظمة للمسلحين بدلاً من استمرار المواجهات المباشرة في تلك المناطق.

تفاصيل العرض الأمريكي وشروطه

وفقاً للتسريبات التي تناولتها وسائل إعلام إقليمية ودولية، فإن العرض الذي قدمته الإدارة الأمريكية كان جزءاً من حزمة أوسع لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين. وتضمنت أبرز نقاطه ما يلي:

الممر الآمن: السماح لمقاتلي حماس الذين لم يشاركوا بشكل مباشر في هجوم 7 أكتوبر بالخروج من المناطق الواقعة شمال "الخط الأصفر" والانتقال إلى جنوبه دون أن يتعرضوا للاستهداف من قبل القوات الإسرائيلية.
الهدف من المقترح: من المنظور الإسرائيلي والأمريكي، كان الهدف هو تسريع عملية "تطهير" المناطق الشمالية من الجيوب المسلحة المتبقية، مما يسمح للجيش الإسرائيلي بتعزيز سيطرته وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل أكثر أمناً، وتقليل الخسائر في صفوفه.
آلية التنفيذ: كان من المفترض أن تتم العملية تحت إشراف دولي أو عبر ضمانات من الوسطاء لضمان عدم خرق الاتفاق من أي طرف، والسماح للمقاتلين بالانسحاب بأسلحتهم الشخصية فقط في بعض الروايات.

السياق الأوسع للمفاوضات

جاء هذا المقترح في وقت كانت فيه المفاوضات بين إسرائيل وحماس قد وصلت إلى طريق مسدود. كانت حماس تتمسك بمطلبها الأساسي المتمثل في وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من جميع أنحاء قطاع غزة، وعودة غير مشروطة للنازحين إلى ديارهم في الشمال. في المقابل، كانت إسرائيل ترفض فكرة الوقف الدائم للحرب قبل تحقيق أهدافها المعلنة، وهي تفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لحماس وإعادة جميع المحتجزين. وفي هذا السياق، كان مقترح "الخط الأصفر" محاولة لتقديم حل جزئي ومرحلي قد يمهد الطريق لاتفاق أوسع، عبر معالجة الوضع العسكري المعقد على الأرض بشكل مباشر.

ردود الفعل ومآلات المقترح

لم يلقَ العرض قبولاً رسمياً من قيادة حماس. واعتبرته الحركة محاولة إسرائيلية لفرض واقع أمني جديد في غزة، وتقسيم القطاع جغرافياً وعسكرياً، وإفراغ الشمال من أي وجود مسلح مقاوم. ورأت الحركة أن الموافقة على مثل هذا الطرح تتعارض مع مطلبها بالانسحاب الكامل، وتكرّس الاحتلال العسكري لأجزاء واسعة من القطاع. من جهتها، لم تعلق الحكومة الإسرائيلية رسمياً على هذه التفاصيل، لكن الهدف من ورائه كان يتماشى مع استراتيجيتها العسكرية المتمثلة في تأمين السيطرة على مناطق محددة وإنشاء مناطق عازلة. في نهاية المطاف، بقي المقترح مجرد فكرة تم تداولها خلال جولات المفاوضات التي لم تفضِ إلى اتفاق، وتجاوزته التطورات الميدانية والسياسية اللاحقة، ليبقى شاهداً على مدى تعقيد محاولات إيجاد مخرج للصراع الدائر.