رسائل آبي أحمد لدول الجوار: مبادرة للتعاون أم مناورة لتهدئة التوترات؟

في خطوة دبلوماسية لافتة، وجه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رسائل إلى قادة مصر والسودان وإريتريا، في محاولة لمعالجة التوترات المتصاعدة في منطقة القرن الأفريقي. جاءت هذه المبادرة في أعقاب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها أحمد حول حاجة إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر، مما أثار قلق جيرانها، بالإضافة إلى الخلاف المستمر منذ سنوات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير. وتثير هذه الرسائل تساؤلات حول ما إذا كانت تمثل تحولًا حقيقيًا نحو التعاون الإقليمي أم مجرد محاولة لتهدئة المخاوف واحتواء ردود الفعل السلبية.

خلفية التوترات المزمنة

تستند العلاقات المتوترة بين إثيوبيا وجيرانها على ملفين رئيسيين. الأول هو مشروع سد النهضة، الذي تعتبره أديس أبابا حجر الزاوية في خططها التنموية لتوليد الكهرباء، بينما تراه مصر تهديدًا وجوديًا لأمنها المائي الذي يعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل. أما السودان، فتتأرجح مخاوفه بين الفوائد المحتملة للسد في تنظيم الفيضانات والمخاطر المتعلقة بسلامة تشغيله وتأثيره على سدوده الخاصة. ورغم جولات عديدة من المفاوضات على مدى العقد الماضي، لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.

أما الملف الثاني الذي برز مؤخرًا، فهو طموحات إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري. ففي تصريحات علنية خلال أكتوبر 2023، شدد آبي أحمد على أن وصول بلاده إلى البحر هو "مسألة وجودية"، مما أثار تكهنات بأن أديس أبابا قد تلجأ إلى القوة لتحقيق هدفها. أثارت هذه التصريحات قلقًا شديدًا في المنطقة، خاصة في إريتريا والصومال وجيبوتي، التي تمتلك جميعها سواحل استراتيجية على البحر الأحمر وخليج عدن.

مضمون المبادرة الدبلوماسية

سعت الرسائل التي حملها مبعوثون إثيوبيون رفيعو المستوى إلى تبديد المخاوف التي أثارتها تصريحات أحمد. ركز الخطاب الدبلوماسي على عدة نقاط رئيسية، منها:

التأكيد على أن سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري سيتم عبر الوسائل السلمية والحوار والتفاوض.
طرح فكرة "المنفعة المتبادلة"، حيث يمكن لإثيوبيا أن تقدم لدول الجوار حصصًا في مشاريعها الكبرى، مثل سد النهضة أو الخطوط الجوية الإثيوبية، مقابل الحصول على حق استخدام أحد الموانئ.
الدعوة إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي كسبيل لتحقيق الاستقرار والازدهار لجميع دول المنطقة.
محاولة فصل ملف المنفذ البحري عن الخلاف القائم حول سد النهضة، وتقديمه كفرصة للتعاون بدلاً من الصراع.

ردود الفعل والتحليلات الإقليمية

قوبلت المبادرة الإثيوبية بمزيج من الحذر والتشكيك من قبل الدول المعنية. ففي القاهرة، ظل الموقف الرسمي ثابتًا، مع التأكيد المستمر على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم بشأن سد النهضة وحماية الحقوق المائية التاريخية لمصر. وينظر العديد من المحللين في مصر إلى هذه الرسائل باعتبارها محاولة لتحسين صورة إثيوبيا وتخفيف الضغط الدولي عليها دون تقديم تنازلات حقيقية في الملف الأساسي المتعلق بالمياه.

أما في السودان، فإن الوضع الداخلي المعقد جراء الصراع المسلح يجعل من الصعب تبني موقف خارجي موحد وواضح. ومع ذلك، فإن المخاوف التقليدية بشأن سد النهضة لا تزال قائمة لدى قطاعات واسعة من النخبة السياسية والشعبية. وفي إريتريا، التي شهدت علاقاتها مع إثيوبيا تقاربًا ثم فتورًا، يُنظر إلى طموحات أديس أبابا البحرية بعين الريبة، حيث تعتبرها تهديدًا محتملاً لسيادتها على سواحلها الاستراتيجية.

الأهمية والتداعيات المستقبلية

تكمن أهمية هذه التطورات في أنها تضع منطقة القرن الأفريقي، ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى، أمام مفترق طرق. فإما أن تنجح الدبلوماسية في بناء جسور من الثقة تؤدي إلى تكامل اقتصادي يعود بالنفع على الجميع، أو تستمر حالة انعدام الثقة التي تغذي التوترات وقد تدفع المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار. إن مصداقية رسائل آبي أحمد ستظل مرهونة بالخطوات العملية التي ستتخذها حكومته لاحقًا، وقدرتها على ترجمة خطاب التهدئة إلى أفعال ملموسة تطمئن مخاوف جيرانها، خاصة فيما يتعلق بملفي المياه والحدود البحرية.