دراسة حديثة: الرياضة تحيّد التأثير السلبي للوجبات السريعة على المزاج

كشفت دراسة علمية حديثة، أجراها باحثون من كلية كورك الجامعية في أيرلندا، عن دور محوري لممارسة الرياضة في مواجهة الآثار الضارة للأنظمة الغذائية الغنية بالوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة. وأشارت النتائج إلى أن النشاط البدني قادر على تحييد التأثيرات السلبية لهذه الأطعمة على الحالة المزاجية، السلوك، والوظائف الإدراكية، وذلك بناءً على تجارب أُجريت على الفئران.

محور الأمعاء-الدماغ: حلقة الوصل بين الغذاء والمزاج

يُعدّ "محور الأمعاء-الدماغ" نظام اتصال معقد ومستمر يربط بين الجهاز الهضمي والدماغ. تلعب البكتيريا الموجودة في الأمعاء دورًا حاسمًا في هذا الاتصال، حيث تنتج مركبات كيميائية تؤثر مباشرة على مجموعة واسعة من الوظائف الحيوية، بما في ذلك الحالة المزاجية، مستويات التوتر، والقدرات المعرفية. وقد أظهرت الدراسة أن الأنظمة الغذائية غير الصحية، وبالأخص تلك التي تعتمد على الوجبات السريعة، تحدث تغييرات جذرية في بيئة الأمعاء. ففي الفئران، أدت هذه الأنظمة الغذائية إلى تأثر نحو 100 مركب بكتيري من أصل 175، بالإضافة إلى استنزاف مستويات معينة من المستقلبات الضرورية التي تؤثر على وظائف الدماغ الحيوية.

تفاصيل التجربة: مقارنة تأثير الغذاء والرياضة

صمم الباحثون تجربة امتدت لشهرين، حيث وُضعت الفئران على نظام غذائي يحاكي النمط الغذائي الغربي الشائع الغني بالوجبات السريعة. ولتقييم دور الرياضة، قُسّمت الفئران إلى أربع مجموعات رئيسية:

مجموعة تناولت نظامًا غذائيًا صحيًا ولم تمارس الرياضة.
مجموعة تناولت نظامًا غذائيًا غير صحي (وجبات سريعة) ولم تمارس الرياضة.
مجموعة تناولت نظامًا غذائيًا صحيًا مع إتاحة فرصة لممارسة الرياضة الطوعية.
مجموعة تناولت نظامًا غذائيًا غير صحي مع إتاحة فرصة لممارسة الرياضة الطوعية.

كانت الرياضة المتاحة للفئران اختيارية، حيث أُتيح لها الوصول المستمر إلى عجلات الجري، مما سمح لها بالتعبير عن ميلها الطبيعي للنشاط البدني.

النتائج الرئيسية: الرياضة كدرع وقائي

أبرزت النتائج فرقًا واضحًا بين المجموعات. فالفئران التي تغذت على النظام الغذائي غير الصحي دون ممارسة الرياضة أظهرت علامات تشير إلى الاكتئاب، حيث قضت وقتًا أطول في سلوكيات مثل السباحة، وهي علامة معروفة تشير إلى اليأس في النماذج الحيوانية. في المقابل، الفئران التي تناولت نفس النظام الغذائي غير الصحي ولكنها مارست الرياضة استعادت مستويات نشاط وحيوية مماثلة لتلك التي ظهرت في الفئران ذات النظام الغذائي الصحي.

على المستوى البيولوجي، لوحظ أن النظام الغذائي غير الصحي أثر سلبًا على ميكروبيوم الأمعاء، وهو التجمع المتنوع من الكائنات الدقيقة التي تعيش في الجهاز الهضمي. ومع ذلك، أدت ممارسة الرياضة إلى تحسن ملحوظ في توازن وتنوع هذه الكائنات الدقيقة. كما كشفت الدراسة أن النظام الغذائي السيئ أدى إلى استنزاف ثلاثة مركبات معوية رئيسية، وهي حيوية لحماية الدماغ وتنظيم المزاج وإنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي مهم للسعادة. لكن النشاط البدني نجح في إعادة تنشيط هذه المركبات الحيوية.

علاوة على ذلك، ساهمت الرياضة في تنظيم مستويات هرمونات مهمة مثل الأنسولين والليبتين، مما أدى إلى تحسين الصحة الأيضية العامة للفئران. هذه التحسينات الأيضية كان لها تأثير مباشر وإيجابي على تحسين الحالة المزاجية والوظائف الإدراكية.

لم يقتصر التأثير على المزاج فقط؛ فقد أجرى الباحثون اختبارات لتقييم القلق والذاكرة المكانية. وأظهرت الفئران التي مارست الرياضة مسارات بحث أكثر كفاءة في هذه الاختبارات، مما يشير إلى تحسن في قدراتها المعرفية. في المقابل، اعتمدت الفئران قليلة الحركة على مسارات بحث عشوائية وغير فعالة، مما يعكس ضعفًا في الذاكرة المكانية.

اعتبارات وتحديات تطبيق النتائج على البشر

على الرغم من النتائج الواعدة، أكدت الأستاذة إيفون نولان، المعدة الرئيسية للدراسة وأستاذة التشريح وعلم الأعصاب في كلية كورك الجامعية، أن النماذج الحيوانية توفر رؤى ميكانيكية قيمة، ولكنها لا تضمن بالضرورة وجود تأثيرات متطابقة لدى البشر، خاصةً مع اختلاف الفئات العمرية والجنس. وأشارت أيضًا إلى أن الرياضة في هذه الدراسة كانت طوعية وللفئران وصول مستمر إلى عجلات الجري، وهو ما يختلف عن برامج التمارين الرياضية المنظمة والموجهة لدى البشر. هذه الفروقات تتطلب إجراء المزيد من الأبحاث للتأكد من قابلية تطبيق هذه النتائج بشكل مباشر على الإنسان.

أهمية الدراسة والآفاق المستقبلية

تسلط هذه الدراسة الضوء على الدور الحيوي للنشاط البدني كعامل وقائي وعلاجي محتمل في مواجهة التأثيرات السلبية للأنظمة الغذائية غير الصحية على الصحة النفسية. فهي تعزز فهمنا لكيفية تواصل الأمعاء والدماغ، وتقدم دليلًا إضافيًا على أن نمط الحياة النشط يمكن أن يحمينا ليس فقط من الأمراض الجسدية، ولكن أيضًا من التدهور المعرفي والمزاجي المرتبط بسوء التغذية. تشجع هذه النتائج على تبني نهج شامل للصحة يجمع بين الغذاء الصحي وممارسة الرياضة بانتظام.