في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بالحلول المبتكرة للتحديات المجتمعية، استضاف مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة مؤخرًا ندوة هامة ناقشت سبل توظيف الفن داخل المنظمات الأهلية. ركزت الندوة، التي أقيمت ضمن فعاليات المهرجان، على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الإبداع الفني في تعزيز الوعي بالقضايا البيئية والمناخية ودفع عجلة العمل المناخي قدمًا. وقد شهدت الجلسة حضورًا مميزًا من الخبراء والمهتمين، منهم د. داليا بسيوني، د. محمد ممدوح، محمود كمال، ومحمد حسن، الذين أثروا النقاش بوجهات نظرهم المتنوعة.

خلفية المهرجان وأهمية الشراكة مع المنظمات الأهلية

يُعرف مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة بكونه منصة فريدة تجمع بين السينما والفنون البصرية لرفع مستوى الوعي بالقضايا البيئية الملحة. تأسس المهرجان على رؤية مفادها أن الفن يمتلك القدرة على تجاوز الحواجز الثقافية واللغوية، وإيصال رسائل عميقة ومعقدة إلى جمهور واسع بطرق مؤثرة. تأتي أهمية هذه الندوة تحديدًا من الموقع الجغرافي للفيوم، وهي منطقة تتمتع بتراث طبيعي غني لكنها تواجه أيضًا تحديات بيئية متنوعة تتطلب حلولًا مستدامة ومبتكرة.

تلعب المنظمات الأهلية دورًا لا غنى عنه في قلب المجتمعات، حيث تعمل على سد الفجوات وتوفير الدعم في مجالات مختلفة، بما في ذلك التنمية البيئية والاستدامة. ومع تصاعد التهديدات المرتبطة بتغير المناخ، أصبحت الحاجة إلى تضافر الجهود بين كافة القطاعات أكثر إلحاحًا. تبرز هذه الندوة كجزء من مسعى أوسع لتعزيز التعاون بين القطاع الفني والقطاع الأهلي، بهدف إيجاد طرق أكثر فعالية وإبداعًا لمواجهة التحديات البيئية.

الفن كقوة دافعة للعمل المناخي: محاور النقاش

تطرقت الندوة إلى الأبعاد المتعددة لكيفية استخدام الفن كأداة قوية للتحفيز على العمل المناخي وتعزيز الفهم البيئي. أكد المشاركون أن الأساليب التقليدية للتوعية قد لا تكون كافية دائمًا لإثارة الوعي العميق أو تغيير السلوكيات. هنا يأتي دور الفن في تقديم هذه الرسائل بطرق مبتكرة، عاطفية، وتفاعلية، مما يمكن أن يؤدي إلى استجابة مجتمعية أقوى وأكثر استدامة. من أبرز النقاط التي تم بحثها:

التأثير العاطفي والتحفيز على المشاركة: قدرة الفن على إثارة المشاعر وخلق روابط شخصية مع قضايا معقدة مثل الاحتباس الحراري أو فقدان التنوع البيولوجي، مما يدفع الأفراد للمشاركة الفعالة.
تبسيط الرسائل المعقدة: استخدام الفنون البصرية أو الأدائية لتبسيط المعلومات العلمية المعقدة المتعلقة بالمناخ وجعلها في متناول جمهور أوسع، بما في ذلك الأطفال والمجتمعات التي قد لا تصلها المعلومات التقليدية بسهولة.
تعبئة المجتمعات المحلية: كيف يمكن للمشاريع الفنية المجتمعية، مثل الجداريات البيئية أو العروض المسرحية، أن تجمع الناس حول هدف مشترك وتعزز حس الملكية تجاه القضايا البيئية المحلية.
الدعوة وتغيير السياسات: استخدام الفن كشكل من أشكال الدعوة الصامتة أو الصارخة للضغط على صانعي القرار لتبني سياسات بيئية أكثر استدامة.
التوثيق والذاكرة: دور الفن في توثيق التغيرات البيئية وتأثيراتها على المجتمعات، مما يخلق ذاكرة جماعية تحفز على العمل المستقبلي.

لم يغفل النقاش التحديات التي قد تواجه المنظمات الأهلية عند دمج الفن في برامجها، مثل قيود الميزانية، أو الحاجة إلى بناء قدرات فنية داخل فرق العمل، أو صعوبة قياس الأثر الفني كميًا. وقد تم تقديم عدة اقتراحات عملية لمعالجة هذه التحديات، منها إقامة شراكات مستدامة مع فنانين وخبراء في الفنون، وتوفير التدريب اللازم، وتطوير أطر لتقييم التأثير النوعي للأعمال الفنية.

إسهامات الخبراء والحضور

قدمت النقاشات في الندوة منظورًا غنيًا بفضل تنوع خبرات المتحدثين والحضور. ركزت د. داليا بسيوني على أهمية التخطيط الاستراتيجي لدمج الفن في مبادرات المنظمات الأهلية، مشيرة إلى ضرورة أن تكون المشاريع الفنية جزءًا لا يتجزأ من الرؤية الأوسع للمنظمة، وليس مجرد إضافة تكميلية. كما ألقت الضوء على إمكانية الفن في تغيير السرديات السائدة حول القضايا البيئية.

من جانبه، استعرض د. محمد ممدوح عددًا من النماذج الناجحة لمشاريع بيئية قادتها منظمات أهلية بالتعاون مع فنانين، مسلطًا الضوء على كيفية تحقيق هذه المشاريع لأهدافها البيئية والاجتماعية في آن واحد. وشدد على أهمية قياس الأثر الاجتماعي والبيئي لهذه التدخلات الفنية لضمان استدامتها وتوسيع نطاقها.

ساهم محمود كمال، بخبرته الفنية، في إبراز الإمكانات الإبداعية للفنون المختلفة، مثل النحت التفاعلي، والعروض المسرحية البيئية، وورش العمل الفنية التي تستهدف الأطفال والشباب. وأكد على أن الفنانين لديهم دور حاسم في ترجمة البيانات العلمية الجافة إلى تجارب حسية ومعبرة تلامس الوجدان وتدعو إلى التفكير.

أما محمد حسن، فقد قدم منظورًا عن كيفية تعزيز مشاركة الشباب والمجتمعات المحلية في هذه المبادرات الفنية، مؤكدًا على أن الفن يمكن أن يكون أداة تمكين قوية تمنح الأفراد صوتًا للتعبير عن مخاوفهم وتطلعاتهم البيئية. كما تحدث عن أهمية الفنون الرقمية والمنصات الجديدة في الوصول إلى جماهير أوسع.

أكدت هذه الإسهامات على أن دمج الفن في عمل المنظمات الأهلية ليس ترفًا، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز القدرة على التأثير وخلق تغيير مجتمعي مستدام في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.

الأهمية والتطلعات المستقبلية

تكتسب هذه الندوة أهمية خاصة في السياق الراهن، حيث يبحث العالم عن حلول مبتكرة وفعالة لمواجهة أزمة المناخ. إن جمع الفن مع العمل الأهلي في سياق مهرجان بيئي مثل مهرجان الفيوم الدولي يمثل نموذجًا للتفكير المتكامل والعابر للتخصصات. هذه المبادرات لا تساهم فقط في رفع الوعي، بل تعمل أيضًا على بناء قدرات المجتمعات، وتحفيز الابتكار، وفتح قنوات جديدة للحوار بين مختلف الأطراف المعنية.

تشير التطلعات المستقبلية إلى ضرورة توسيع نطاق هذا النوع من الشراكات وتعميقها، بحيث يصبح دمج الفن في استراتيجيات المنظمات الأهلية جزءًا لا يتجزأ من عملها. يهدف ذلك إلى تطوير مشاريع فنية بيئية أكثر طموحًا وتأثيرًا، تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية. إن مثل هذه المنتديات هي حجر الزاوية في بناء مستقبل يتسم بالاستدامة والإبداع، حيث يلتقي الجمال بالرسالة الهادفة لخلق عالم أفضل.