اشتباكات إدلب: الأمن السوري يواجه "المهاجرين الفرنسيين" في حارم

شهدت منطقة حارم الواقعة في ريف إدلب الشمالي توتراً أمنياً متصاعداً أفضى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة فجر الأربعاء الماضي. المواجهات جرت بين قوى الأمن العام السوري ومجموعة مسلحة تُعرف باسم "المهاجرين الفرنسيين"، التي تتحصن داخل مخيم الفردان، والمعروف أيضاً بـ"مخيم الفرنسيين". وقد أثارت هذه الاشتباكات، التي تصدرت عناوين صفحات التواصل الاجتماعي السورية، تساؤلات حول أسبابها وتداعياتها في سياق الوضع الأمني المعقد بإدلب.

خلفية الوضع الأمني في إدلب

تعتبر محافظة إدلب آخر معقل رئيسي للفصائل المعارضة في سوريا، وتسيطر عليها بشكل أساسي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) من خلال حكومة الإنقاذ السورية وذراعها الأمني، الأمن العام السوري. تشتهر إدلب بكونها تضم طيفاً واسعاً من الفصائل المسلحة، بما في ذلك أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب، أو ما يُعرف بـ"المهاجرين"، من جنسيات مختلفة. تسعى هيئة تحرير الشام منذ فترة إلى تعزيز سيطرتها الأمنية والإدارية في المنطقة، وهو ما يتضمن محاولات لدمج الفصائل الأخرى أو نزع سلاحها أو تضييق الخناق على المجموعات التي لا تخضع لسيطرتها المباشرة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى احتكاكات واشتباكات داخلية.

لطالما مثّل وجود المقاتلين الأجانب تحدياً أمنياً وإدارياً لهيئة تحرير الشام، نظراً لاختلاف توجهاتهم الأيديولوجية وأحياناً رفضهم للانضواء تحت قيادة موحدة بشكل كامل. هذه المجموعات، التي جاءت إلى سوريا للمشاركة في القتال، تشكل تحدياً ليس فقط للسلطة المحلية بل أيضاً للمجتمع الدولي بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب وعودة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية.

مجموعة "المهاجرين الفرنسيين" وزعيمها عمر ديابي

تُعرف مجموعة "المهاجرين الفرنسيين" بأنها فصيل مسلح يضم مقاتلين من جنسيات فرنسية، ويتحصنون داخل مخيم الفردان في ريف حارم. يقود هذه المجموعة شخصية بارزة تُدعى عمر ديابي، المعروف أيضاً بـ "أومسن". يُعد ديابي من أبرز الجهاديين الفرنسيين الذين انضموا إلى القتال في سوريا، وقد ارتبط اسمه بالعديد من القضايا الأمنية في فرنسا. وجود شخصيات قيادية مثل ديابي ضمن هذا الفصيل يضفي عليه أهمية خاصة في المشهد الأمني بإدلب. تتسم هذه المجموعات، التي غالبًا ما تكون ذات توجهات متشددة، بقدر من الاستقلالية عن الفصائل الكبرى، مما يجعلها أهدافاً محتملة لعمليات أمنية تهدف إلى فرض النظام أو اعتقال أفراد مطلوبين.

تفاصيل الاشتباكات الأخيرة وتداعياتها

اندلعت الاشتباكات في منطقة حارم فجر الأربعاء بعد فترة من التوتر المتصاعد. تشير التقارير إلى أن الأمن العام السوري نفذ عملية تستهدف مجموعة "المهاجرين الفرنسيين" داخل مخيم الفردان. غالباً ما تهدف مثل هذه العمليات إلى فض تجمعات مسلحة غير خاضعة، أو اعتقال أفراد متهمين بجرائم أمنية، أو فرض سيطرة أوسع على مناطق معينة. وقد أدت شدة الاشتباكات وسرعة انتشار الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى تسليط الضوء على خطورة الوضع والحساسية المحيطة بملف المقاتلين الأجانب.

لم تتضح بعد كافة تفاصيل حصيلة الاشتباكات من حيث عدد الضحايا أو المعتقلين، ولكنها بلا شك أدت إلى حالة من الاستنفار الأمني في المنطقة. تشكل هذه المواجهات مؤشراً على استمرار التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام في إدارة ملف الأمن الداخلي، خصوصاً مع وجود فصائل لا تزال تحتفظ باستقلاليتها أو تتبنى أجندات مختلفة. كما أنها تزيد من حالة عدم الاستقرار في منطقة تعاني أصلاً من أوضاع إنسانية صعبة وتوترات سياسية مستمرة.

التداعيات على استقرار إدلب والملف الدولي

تحمل هذه الاشتباكات تداعيات أعمق على استقرار منطقة إدلب، التي لا تزال تُعتبر نقطة جذب للمقاتلين الأجانب ومثار قلق للمجتمع الدولي. فاستمرار المواجهات الداخلية بين الفصائل يضعف من أي محاولة لفرض الاستقرار أو بناء مؤسسات حوكمة فعالة. كما أنه يعيد تسليط الضوء على ضرورة التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، وخاصة أولئك الذين يحملون جنسيات غربية، وهو ملف يمثل تحدياً أمنياً وإنسانياً ودبلوماسياً معقداً.

تعكس الأحداث الأخيرة في حارم جزءاً من الصورة الأوسع لجهود هيئة تحرير الشام الرامية إلى ترسيخ سلطتها كقوة أمنية مهيمنة في إدلب، مع سعيها للتعامل مع الجيوب المسلحة المستقلة أو الأكثر تشدداً. يبقى مستقبل هذه المجموعات، وكيفية دمجها أو التعامل معها، من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة، وستظل هذه الاشتباكات تذكي النقاش حول استراتيجيات التعامل مع بقايا الصراع في سوريا.