سجون إسرائيل: كيف أصبحت معتقلاتها حاضنة لقيادات حماس وصاقلة لخبراتهم؟

لطالما كانت السجون الإسرائيلية مكاناً للاحتجاز والعقاب للعديد من الفلسطينيين، لكنها، وبشكل مفارق، تحولت أيضاً إلى فضاءات غير متوقعة لتدريب وتطوير قيادات بارزة داخل حركة حماس. هذه الظاهرة، التي شكلت محور تحليلات عدة، تسلط الضوء على الكيفية التي استغل بها المعتقلون فترات سجنهم لتعزيز قدراتهم وتعميق فهمهم للخصم.

الخلفية التاريخية: السجن كفضاء للتنظيم

منذ عقود، استوعبت السجون الإسرائيلية آلاف المعتقلين الفلسطينيين، من ضمنهم شخصيات أصبحت لاحقاً قادة رئيسيين في فصائل المقاومة. لم يكن الاعتقال مجرد فترة عزلة، بل تحول إلى فرصة للتنظيم الداخلي، تبادل الخبرات، وصياغة الأيديولوجيات. كان القادة الأوائل لحركة حماس، ومنهم الشيخ أحمد ياسين، قد أمضوا فترات متفاوتة في السجون، حيث رسخوا مبادئ الحركة وأسسوا هياكلها التنظيمية.

"جامعة السجن": صقل المهارات وتعميق الفهم

تشير العديد من التقارير والمقابلات مع معتقلين سابقين إلى أن السجون الإسرائيلية لم تكن مجرد أماكن للحبس، بل كانت بمثابة "جامعات" غير رسمية. خلال هذه الفترات، تمكن المعتقلون من:

تعلم اللغة العبرية: أتقن العديد من القادة اللغة العبرية بطلاقة، مما أتاح لهم فهم العقلية الإسرائيلية، متابعة الإعلام المحلي، وحتى التفاوض المباشر مع سجانيهم، وهو ما منحهم ميزة استخباراتية وتواصلية.
تطوير التفكير الاستراتيجي: سمحت البيئة المغلقة بتبادل مكثف للأفكار والنقاشات المطولة حول التكتيكات العسكرية، الاستراتيجيات السياسية، والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ما ساهم في صقل مهاراتهم القيادية والتخطيطية.
الترابط التنظيمي والتوحيد الفكري: سهلت السجون بناء شبكات علاقات قوية بين أفراد الفصائل المختلفة، بما في ذلك حماس وفتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. هذه العلاقات عززت الوحدة الداخلية وأدت إلى تفاهمات حول القضايا المشتركة، كما رسخت الانتماء الأيديولوجي للحركة.
فهم جهاز الأمن الإسرائيلي: من خلال التجربة المباشرة للاستجوابات، أنظمة السجون، والتفاعل اليومي مع الضباط والسجانين، اكتسب القادة المعرفة حول نقاط القوة والضعف في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وكيفية التكيف معها ومواجهتها.

شخصيات قيادية نشأت في المعتقلات

تضم قائمة قادة حماس البارزين الذين تخرجوا من "جامعات السجون" أسماء ذات ثقل كبير:

يحيى السنوار: أحد أبرز الأمثلة، أمضى أكثر من 20 عاماً في السجون الإسرائيلية. خلال فترة اعتقاله، أتقن العبرية، ودرس المجتمع الإسرائيلي بعمق، وأصبح قائداً فعلياً للمعتقلين، مما صقل قدراته التنظيمية والتفاوضية. بعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، صعد ليصبح رئيس حركة حماس في قطاع غزة والمسؤول عن جناحها العسكري.
صالح العاروري: نائب رئيس المكتب السياسي لحماس قبل اغتياله، أمضى فترات طويلة في السجون الإسرائيلية، حيث لعب دوراً محورياً في بناء الجناح العسكري للحركة في الضفة الغربية وفي إدارة ملف تبادل الأسرى.
روحي مشتهى وزكريا أبو معمر: قياديان آخران أمضيا سنوات طويلة في السجون واكتسبا خبرات تنظيمية واستخباراتية عميقة أثرت في مسارهما داخل الحركة.

التأثير والانعكاسات على المشهد السياسي والأمني

التحول البارادوكسي للسجون الإسرائيلية إلى حاضنة للقيادات الفلسطينية يثير تساؤلات جدية حول فعالية سياسات الاعتقال. فبدلاً من إخماد المقاومة، أدت هذه السياسات في بعض الأحيان إلى توفير بيئة خصبة لتعزيزها وتطوير قدراتها القيادية والاستراتيجية. إن التجربة السجنية لم تزد القادة إصراراً على المضي قدماً في طريق المقاومة فحسب، بل منحتهم أيضاً أدوات جديدة وفهماً أعمق للطرف الآخر، مما عزز من قدرتهم على قيادة حماس بفعالية في مراحل لاحقة. وفي سياق التطورات الأخيرة، لا يزال تأثير هؤلاء القادة وخبراتهم التي اكتسبوها في السجون يلعب دوراً محورياً في تحديد مسار الصراع.