الهجري يؤكد: تقرير المصير حقٌ غير قابل للتراجع عنه، ورؤية السويداء تقوم على الاستقلال التام

تشهد محافظة السويداء السورية، ذات الأغلبية الدرزية، منذ أغسطس 2023، حراكاً شعبياً غير مسبوق ومتواصلاً، بدأ باحتجاجات على تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الأزمات المعيشية، وسرعان ما تطور ليحمل مطالب سياسية جوهرية، أبرزها حق تقرير المصير للمحافظة. في خضم هذه التطورات، برزت تصريحات الشيخ حكمت الهجري، أحد المرجعيات الروحية للطائفة الدرزية، مؤكداً أن "رؤيتنا تقوم على الاستقلال التام للسويداء"، واصفاً تقرير المصير بأنه حقٌ لا يمكن التراجع عنه.

خلفية الأوضاع في السويداء

تتمتع السويداء بوضع خاص ضمن الخارطة السورية، فلطالما حافظت على قدر من الاستقلالية الذاتية النسبية خلال سنوات النزاع السوري، ولم تخضع بشكل كامل لسيطرة القوات الحكومية أو فصائل المعارضة المتنوعة. يرجع هذا الوضع جزئياً إلى تركيبتها السكانية، حيث يشكل الدروز أغلبية، إضافة إلى وجود فصائل محلية مسلحة تقوم بحماية المنطقة. ورغم تبعيتها الإدارية للدولة السورية، إلا أن السكان المحليين في كثير من الأحيان يعتمدون على قدراتهم الذاتية في إدارة شؤونهم. تفاقمت الأزمات الاقتصادية في عموم سوريا، ومعها تدهورت الخدمات الأساسية، ما أدى إلى تفجر الغضب الشعبي في السويداء.

كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات الأخيرة هي قرار الحكومة السورية رفع الدعم عن المحروقات، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً ودفع الآلاف إلى الشوارع. هذه المظاهرات، التي بدأت مطالبها اقتصادية بحتة، سرعان ما تحولت إلى حراك سياسي يطالب بتغييرات جذرية، بما في ذلك تطبيق القرار الأممي 2254 الذي يدعو إلى حل سياسي في سوريا.

دور الشيخ الهجري وتصريحاته

برز الشيخ حكمت الهجري كصوت رئيسي للحراك الشعبي في السويداء، حيث أصبحت تصريحاته من منزله في بلدة قنوات تحمل ثقلاً كبيراً لدى المتظاهرين ووسائل الإعلام. شدد الشيخ الهجري مراراً على سلمية الحراك ووطنيته، رافضاً أي اتهامات بالتخوين أو الارتباط بأجندات خارجية. تصريحه الأخير، الذي أكد فيه أن "رؤيتنا تقوم على الاستقلال التام للسويداء"، يعكس توجهاً واضحاً نحو المطالبة بصيغة من الحكم الذاتي الواسع أو اللامركزية الشاملة، التي تمنح المحافظة صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها المحلية، دون أن يعني ذلك بالضرورة الانفصال عن الدولة السورية بالكامل.

أكد الشيخ الهجري أن حق تقرير المصير هو حق أصيل وغير قابل للتراجع عنه، وهو ما يمثل دعوة صريحة للسيادة المحلية والقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية للمحافظة بعيداً عن المركزية الحكومية. تُعد هذه التصريحات مؤشراً على تصاعد سقف المطالب السياسية في السويداء، وتأكيداً على تصميم الأهالي على تحقيق رؤيتهم لمستقبل المحافظة.

أهمية هذه التطورات وتداعياتها المحتملة

تكتسب الاحتجاجات في السويداء وتصريحات قياداتها أهمية بالغة لعدة أسباب:

تحدٍ مستمر: تمثل هذه الاحتجاجات تحدياً مستمراً وغير مسبوق لسلطة الحكومة السورية في مناطق يُفترض أنها تحت سيطرتها، خاصة وأنها مستمرة منذ أشهر دون توقف.
مخاوف من التجزئة: تثير المطالب بتقديس حق تقرير المصير والاستقلال التام مخاوف لدى البعض من احتمالية تفكك أو تجزئة الدولة السورية، بينما يراها آخرون كسبيل وحيد لحماية مصالح الأقليات وخصوصية المناطق.
تأثير إقليمي: قد تكون لهذه المطالب تداعيات على المشهد الإقليمي، حيث تقع السويداء على مقربة من الحدود الأردنية، وأي تطورات فيها قد تؤثر على الاستقرار في المنطقة.
نموذج للمناطق الأخرى: يمكن أن يلهم حراك السويداء مناطق أخرى في سوريا للمطالبة بحقوق مماثلة، خاصة تلك التي لديها خصوصيات ديموغرافية أو جغرافية.

تواجه الحركة الاحتجاجية في السويداء تحديات كبيرة، أبرزها الحفاظ على الزخم الشعبي، وتوحيد المطالب، وتجنب الانقسامات الداخلية، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع ردود الفعل من الحكومة السورية والأطراف الإقليمية والدولية. ورغم أن الحكومة السورية لم تتدخل عسكرياً بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن التوتر يظل قائماً، ويبقى مستقبل السويداء مرتبطاً بقدرة أبنائها على ترجمة رؤيتهم نحو استقلال ذاتي أوسع إلى واقع ملموس ضمن إطار حل سياسي شامل للأزمة السورية.