مغارة ذهب مزعومة في درعا تثير جدلاً بين حلم الثراء والواقع الأمني

ضجت منصات التواصل الاجتماعي في سوريا، خلال أواخر سبتمبر وبداية أكتوبر 2023، بقصة "مغارة الذهب" التي تم اكتشافها المزعوم في بلدة الحارة بريف درعا الشمالي. وسرعان ما تحولت القصة من مجرد شائعة إلى ظاهرة اجتماعية وأمنية معقدة، كشفت عن عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السكان، وهشاشة الوضع الأمني في جنوب البلاد.

خلفية القصة وتفاصيل الانتشار

بدأت الحكاية مع تداول مقاطع فيديو قصيرة، صورت على ما يبدو بهواتف محمولة، تظهر أشخاصًا داخل كهف يستخرجون صخورًا صفراء لامعة. أرفقت هذه المقاطع بتعليقات تزعم العثور على كنز ضخم من الذهب الخالص، مما أطلق شرارة ما يشبه "حمى الذهب" في المنطقة. وفي غضون ساعات، توافد مئات المواطنين من بلدة الحارة والقرى المجاورة إلى الموقع، مدفوعين بأمل الحصول على نصيب من الثروة الموعودة، في ظل واقع معيشي متردٍّ وانسداد الأفق الاقتصادي.

التدخل الأمني والواقع على الأرض

لم يدم هذا الحلم طويلًا، إذ سرعان ما تحول التجمع الشعبي العفوي إلى قضية أمنية. فالموقع المزعوم للمغارة يقع في محيط "تل الحارة"، وهو موقع استراتيجي عسكري مهم. استنفرت الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية التابعة للحكومة السورية، بالإضافة إلى فصائل محلية موالية لها، وقامت بفرض طوق أمني مشدد حول المنطقة بأكملها. منعت القوات وصول المواطنين إلى الكهف، مما أدى إلى حالة من التوتر والاحتقان. عكست هذه الاستجابة السريعة حساسية السلطات تجاه أي تجمعات غير منظمة قد تخرج عن السيطرة، ورغبتها في تأكيد سيطرتها الكاملة على منطقة لا تزال تشهد تحديات أمنية رغم اتفاقات "التسوية" التي أبرمت في عام 2018.

حقيقة "الذهب" المزعوم

بعد إحكام السيطرة على الموقع، بدأت الحقيقة تتكشف تدريجيًا. نفت مصادر رسمية ومحلية صحة وجود أي ذهب في المغارة. وأوضح خبراء وجيولوجيون، بعد تحليل طبيعة الصخور التي ظهرت في مقاطع الفيديو، أنها ليست ذهبًا على الإطلاق. بل هي على الأرجح معدن البيريت، المعروف أيضًا باسم "ذهب الحمقى" أو "الذهب الكاذب"، وهو معدن كبريتيد الحديد الذي يشبه الذهب في لونه ولمعانه ولكنه لا يمتلك أي قيمة تذكر مقارنة به. وبهذا، تبدد حلم الثراء السريع، وتأكد أن القصة بأكملها كانت إما خدعة مدبرة أو حالة من الوهم الجماعي غذاها اليأس.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية

تتجاوز قصة مغارة الذهب كونها مجرد خبر عابر، لتقدم مؤشرًا واضحًا على الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتردية في سوريا. فالانهيار الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، يدفع بالكثيرين إلى التعلق بأي أمل، حتى لو كان وهميًا. تعكس الحادثة حالة اليأس التي تدفع الناس إلى تصديق الشائعات التي تَعِد بالخلاص المادي السريع. من جهة أخرى، سلطت الضوء على الطبيعة المعقدة للوضع الأمني في درعا، حيث لا تزال القوة والنفوذ موزعين بين جهات متعددة، وأي حدث، مهما كان بسيطًا، يمكن أن يتحول إلى نقطة نزاع على السيطرة والموارد، سواء كانت حقيقية أم متخيلة.