دعوات من حلفاء مقربين لماكرون بالتنحي وإجراء انتخابات مبكرة

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضغوطاً سياسية متزايدة، لم تقتصر على خصومه التقليديين فحسب، بل امتدت لتشمل شخصيات بارزة في معسكره السياسي. تأتي هذه التطورات في أعقاب قراره المفاجئ بحل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وهي خطوة وصفت بأنها محفوفة بالمخاطر وأدخلت فرنسا في حالة من عدم اليقين السياسي.

خلفية الأزمة: انتخابات البرلمان الأوروبي

اندلعت الأزمة السياسية الحالية في فرنسا بعد النتائج التي أُعلنت في يونيو 2024 لانتخابات البرلمان الأوروبي. أظهرت النتائج هزيمة كبيرة لائتلاف ماكرون الحاكم، الذي حصل على ما يقارب 14.6% من الأصوات، بينما حقق حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا، فوزاً تاريخياً بحصوله على أكثر من 31% من الأصوات.

رداً على هذه الهزيمة المدوية، ألقى ماكرون خطاباً للأمة أعلن فيه حل الجمعية الوطنية، مجلس النواب في البرلمان الفرنسي، وتنظيم انتخابات تشريعية على جولتين في 30 يونيو و7 يوليو 2024. برر ماكرون قراره بأنه ضروري لـ"توضيح" المشهد السياسي ومنح الشعب الفرنسي فرصة لتحديد مستقبل البلاد، رافضاً تجاهل الرسالة التي بعث بها الناخبون.

تصاعد الضغوط من داخل المعسكر الرئاسي

لم يأتِ قرار ماكرون بنتائج إيجابية فورية، بل أثار انتقادات واسعة حتى من أقرب حلفائه. كان أبرز المواقف هو ما صدر عن فرانسوا بايرو، زعيم حزب "الحركة الديمقراطية" (MoDem) وهو حليف رئيسي لماكرون. أعرب بايرو عن قلقه العميق من قرار حل البرلمان، وفي تصريحات لوسائل إعلام فرنسية، لم يستبعد فكرة استقالة الرئيس كأحد الحلول الممكنة للخروج من الأزمة إذا أصبح الوضع السياسي معقداً للغاية بعد الانتخابات.

ورغم أن تصريحات بايرو لم تكن دعوة مباشرة للاستقالة، إلا أنها عكست حجم القلق داخل التحالف الحاكم من تداعيات هذه المقامرة السياسية. انضم إلى هذه الأصوات المنتقدة شخصيات أخرى من الأغلبية الرئاسية، أعربت عن مخاوفها من أن يؤدي هذا القرار إلى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

موقف الرئيس والمشهد السياسي العام

في مواجهة هذه الضغوط، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون في عدة مناسبات أنه لا ينوي الاستقالة تحت أي ظرف، بغض النظر عن نتائج الانتخابات التشريعية. وشدد على أن ولايته الرئاسية مستمرة حتى عام 2027، وأن منصبه كرئيس للدولة منفصل عن تشكيل الحكومة المنبثقة عن البرلمان.

وقد أدت هذه التطورات إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية بسرعة:

الجبهة الشعبية الجديدة: اتحدت أحزاب اليسار الرئيسية، بما في ذلك الاشتراكيون والخضر والشيوعيون وحزب "فرنسا الأبية"، لتشكيل تحالف انتخابي موحد لمواجهة اليمين المتطرف والمعسكر الرئاسي.
انقسام اليمين التقليدي: شهد حزب "الجمهوريون" انقساماً حاداً بعد أن دعا رئيسه، إيريك سيوتي، إلى التحالف مع حزب التجمع الوطني، وهي خطوة رفضها معظم قادة الحزب.

التداعيات المحتملة والسيناريوهات المستقبلية

أدخل قرار ماكرون فرنسا وأوروبا في حالة من الترقب. السيناريو الأكثر ترجيحاً، وفقاً لاستطلاعات الرأي، هو فوز حزب التجمع الوطني بأكبر عدد من المقاعد دون تحقيق أغلبية مطلقة، مما قد يؤدي إلى برلمان معلق وحالة من الجمود السياسي. وفي حال فوز اليمين المتطرف بالأغلبية، سيضطر ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء من صفوفهم، وهو ما يُعرف في السياسة الفرنسية بـ"التعايش"، وهو سيناريو يطرح تحديات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية وموقف فرنسا من الاتحاد الأوروبي والحرب في أوكرانيا.