كوريا الشمالية تطلق صاروخاً باليستياً جديداً نحو بحر اليابان في أحدث تصعيد

رصد الجيش الكوري الجنوبي، في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي واحد على الأقل باتجاه الشرق، نحو المنطقة المعروفة باسم بحر اليابان (أو بحر الشرق كما تسميه كوريا الجنوبية). يمثل هذا الإطلاق أحدث اختبار صاروخي تجريه بيونغ يانغ منذ عدة أشهر، مما يعيد تأكيد المخاوف المتزايدة بشأن الاستقرار الإقليمي ويضاف إلى سلسلة طويلة من الاستفزازات العسكرية التي تقوم بها الدولة المعزولة.

أفادت هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية بأن الصاروخ قطع مسافة تقريبية قبل أن يسقط في المياه الدولية، وذكرت أن تحليل التفاصيل الفنية للصاروخ، مثل مداه وارتفاعه وسرعته، لا يزال جارياً لتقدير نوعه الدقيق. وتأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وسط تحذيرات متكررة من واشنطن وحلفائها بشأن برامج بيونغ يانغ النووية والصاروخية غير المشروعة.

خلفية التوترات وبرنامج كوريا الشمالية الصاروخي

يمثل برنامج كوريا الشمالية لتطوير الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية حجر الزاوية في استراتيجيتها الدفاعية، التي تعتبرها ضرورية لضمان أمنها القومي وردع ما تصفه بـ «التهديدات العدائية» من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وعلى مدى عقود، استثمرت بيونغ يانغ موارد ضخمة في تطوير قدراتها العسكرية، تحت قيادة كيم جونغ أون، الذي تعهد بتعزيز الترسانة النووية للبلاد لتكون قوة ردع لا يمكن التغلب عليها.

لقد حظرت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على كوريا الشمالية إجراء أي اختبارات باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، إلا أن بيونغ يانغ دأبت على تحدي هذه القرارات. عادة ما تستغل كوريا الشمالية هذه الإطلاقات لعدة أسباب؛ منها اختبار تقنيات جديدة، أو التعبير عن احتجاجها على المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية التي تعتبرها تدريباً على الغزو، أو كأداة للتفاوض لانتزاع تنازلات من المجتمع الدولي، بما في ذلك تخفيف العقوبات الاقتصادية.

تسارع برنامج كوريا الشمالية الصاروخي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت قادرة على إطلاق مجموعة واسعة من الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (SRBMs)، والصواريخ التي تُطلق من الغواصات (SLBMs)، وصولاً إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) التي يُعتقد أنها قادرة على الوصول إلى الأراضي الأمريكية. تُعَدّ هذه الإطلاقات وسيلة مهمة للنظام لتعزيز قوته العسكرية داخليًا، وإظهار قدراته التكنولوجية للعالم.

تطورات الوضع والردود الدولية

يأتي هذا الإطلاق الأخير في أعقاب عامين شهدا مستويات قياسية من الاختبارات الصاروخية من قبل كوريا الشمالية، مما يشير إلى تصميمها على المضي قدماً في برامجها العسكرية بغض النظر عن الإدانة الدولية. وقد أدت هذه الاستفزازات المتكررة إلى تعزيز التعاون الأمني بين حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة، كوريا الجنوبية واليابان، مما أدى إلى تكثيف المناورات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة التهديد المتزايد.

توقفت محادثات نزع السلاح النووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية منذ قمة هانوي عام 2019، حيث طالبت بيونغ يانغ برفع شامل للعقوبات مقابل التزام محدود بنزع السلاح، وهو ما رفضته واشنطن. هذا الجمود الدبلوماسي أدى إلى اعتماد كوريا الشمالية على العروض العسكرية كوسيلة رئيسية للتواصل ورفع سقف المطالب.

كوريا الجنوبية: دانت سيول بشدة الإطلاق، واصفة إياه بـ «الاستفزاز الخطير» الذي ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي ويقوض السلام والاستقرار في المنطقة. وعقد مجلس الأمن القومي الكوري الجنوبي اجتماعاً طارئاً لمناقشة الردود، مع التأكيد على استعدادهم للرد بقوة على أي استفزازات إضافية.
اليابان: أعرب رئيس الوزراء الياباني عن أسفه للإطلاق، مؤكداً أنه يشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي. وقالت وزارة الدفاع اليابانية إنها ستواصل تحليل مسار الصاروخ، مشيرة إلى أنها عززت مراقبتها واستعداداتها لأي تطورات. تُعرب طوكيو باستمرار عن قلقها بشأن قدرة هذه الصواريخ على التأثير على سلامة الملاحة الجوية والبحرية.
الولايات المتحدة: أكدت وزارة الخارجية الأمريكية التزام واشنطن «الراسخ» بالدفاع عن حلفائها في كوريا الجنوبية واليابان، ودعت بيونغ يانغ إلى الانخراط في حوار جاد ومستدام. كما جددت الإدارة الأمريكية تأكيدها أن باب الدبلوماسية مفتوح، ولكنها حذرت من أن هذه الاختبارات لن تؤدي إلا إلى عزل كوريا الشمالية بشكل أكبر.
الأمم المتحدة: من المتوقع أن تثير هذه الواقعة دعوات لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، حيث سيتم بحث انتهاك كوريا الشمالية الجديد للقرارات. ومع ذلك، فإن الانقسامات بين الأعضاء الدائمين، وخاصة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، غالباً ما تعرقل اتخاذ إجراءات حاسمة أو فرض عقوبات جديدة.

تداعيات الاستفزازات الصاروخية

لا تؤدي الإطلاقات الصاروخية المتكررة لكوريا الشمالية إلى زيادة حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية فحسب، بل تهدد أيضاً بزعزعة الاستقرار الأمني الأوسع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذه الأعمال تزيد من خطر سوء التقدير أو التصعيد غير المقصود، وتضغط على دول المنطقة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، لتعزيز قدراتها الدفاعية، مما قد يؤجج سباق تسلح إقليمي.

على الصعيد الدبلوماسي، تزيد هذه الاستفزازات من تعقيد الجهود الرامية لإعادة إطلاق محادثات نزع السلاح النووي، حيث ترفض بيونغ يانغ العودة إلى الطاولة دون تلبية مطالبها مسبقاً، بينما تصر واشنطن على أن العقوبات ستبقى قائمة حتى تحقيق نزع السلاح بشكل كامل ويمكن التحقق منه ولا رجعة فيه. داخلياً، يستخدم الزعيم كيم جونغ أون هذه الإطلاقات لتعزيز صورته كقائد قوي يدافع عن بلاده ضد التهديدات الخارجية، ويلبي طموحات الشعب في امتلاك قوة عسكرية رادعة، على الرغم من التكلفة الاقتصادية الباهظة والعزلة الدولية التي تفرضها هذه السياسات. ويستمر المجتمع الدولي في البحث عن سبل فعالة للتعامل مع التحدي الذي تفرضه كوريا الشمالية، في ظل سياساتها التي لا تزال تتحدى الإجماع الدولي.