بوتين يعلن نجاح اختبار صاروخ 'بوريفيستنيك' النووي ويؤكد على تفوق الردع الروسي

في تصريح أثار اهتماماً دولياً واسعاً، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 5 أكتوبر 2023، عن إجراء بلاده بنجاح الاختبار النهائي لصاروخ كروز "بوريفيستنيك" الذي يعمل بالطاقة النووية. جاء هذا الإعلان خلال مشاركته في الجلسة العامة لمنتدى فالداي الدولي للحوار، حيث أكد بوتين أن هذه المنظومة التسليحية الاستراتيجية الجديدة، ذات المدى غير المحدود نظرياً، تعزز بشكل كبير القدرات الرادعة لروسيا وتضعها في مكانة متقدمة على الساحة الدولية.

خلفية الصاروخ وقدراته الاستراتيجية

يُعد صاروخ "بوريفيستنيك"، الذي يطلق عليه حلف الناتو اسم SSC-X-9 Skyfall، أحد الأسلحة الستة "الخارقة" التي كشف عنها الرئيس بوتين لأول مرة في خطاب حالة الأمة عام 2018. السمة الأبرز التي تميز هذا الصاروخ هي اعتماده على مفاعل نووي مصغر كمصدر للطاقة، مما يمنحه القدرة على التحليق لأسابيع أو حتى أشهر، بمدى يكاد يكون غير محدود. هذه الميزة تسمح له بسلوك مسارات طيران غير متوقعة ومناورة لتجاوز كافة أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الحالية والمستقبلية، مما يجعله سلاحاً للضربة الثانية بامتياز، قادراً على توجيه رد انتقامي مدمر.

ورغم السرية التي تحيط بالمشروع، تشير التقارير إلى أن تطوير الصاروخ واجه تحديات تقنية كبيرة، وقد ارتبطت به حوادث سابقة، أبرزها حادثة عام 2019 في ميدان اختبار "نيونوكسا" بشمال روسيا، والتي أسفرت عن مقتل عدد من العلماء والمهندسين وأثارت مخاوف من تسرب إشعاعي.

التوقيت والسياق الدولي

يأتي هذا الإعلان في ظل توترات متصاعدة بين روسيا والدول الغربية على خلفية الصراع في أوكرانيا. يرى المحللون أن تصريحات بوتين تحمل رسائل متعددة، فهي من ناحية تهدف إلى طمأنة الداخل الروسي وإظهار القوة العسكرية للبلاد، ومن ناحية أخرى، تمثل تحذيراً واضحاً للغرب من مغبة الاستمرار في دعم أوكرانيا. كما أن الإعلان عن نجاح اختبار سلاح استراتيجي بهذا الحجم يمثل ورقة ضغط في الحوارات المستقبلية المحتملة حول الأمن العالمي والحد من التسلح.

ومما زاد من أهمية التصريح هو تلميح بوتين إلى إمكانية قيام روسيا بخطوة غير مسبوقة، وهي سحب تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT). وبرر ذلك بأن الولايات المتحدة، التي وقعت على المعاهدة، لم تصادق عليها أبداً، وبالتالي فإن روسيا قد تتخذ موقفاً مماثلاً "لتحقيق التوازن". هذا التطور يثير قلقاً بالغاً لدى خبراء الحد من التسلح، الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى انهيار أحد أهم أركان النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية وربما استئناف التجارب النووية لأول مرة منذ عقود.

ردود الفعل والتداعيات المحتملة

قوبل إعلان بوتين بردود فعل متباينة. في حين لم تصدر تأكيدات مستقلة من مصادر غربية حول نجاح الاختبار، أعرب مسؤولون ومحللون غربيون عن شكوكهم وقلقهم. وتتركز المخاوف الرئيسية حول عدة نقاط:

سباق تسلح جديد: يمكن أن يدفع هذا التطور الولايات المتحدة ودولاً أخرى إلى تسريع برامجها لتطوير أسلحة استراتيجية جديدة، مما يؤدي إلى سباق تسلح مكلف ومزعزع للاستقرار.
مخاطر بيئية: يثير مفهوم صاروخ يعمل بالطاقة النووية ويحلق في الغلاف الجوي مخاوف جدية بشأن السلامة البيئية، واحتمال وقوع حوادث قد تنشر مواد مشعة على نطاق واسع.
تآكل أنظمة الحد من التسلح: يمثل التلويح بالانسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية ضربة أخرى لهيكل معاهدات الحد من التسلح الذي يعاني بالفعل من ضغوط كبيرة.

في الختام، يمثل إعلان بوتين عن صاروخ "بوريفيستنيك" أكثر من مجرد تحديث للترسانة العسكرية الروسية؛ إنه مؤشر على تحول أعمق في العقيدة الاستراتيجية لموسكو ورغبتها في تأكيد نفوذها كقوة عالمية كبرى في مواجهة ما تعتبره تحديات غربية لوجودها الأمني. ويبقى نجاح تشغيل هذا السلاح بشكل كامل موضع تساؤل، لكن الرسالة السياسية التي يحملها الإعلان واضحة وقوية.