استقرار الدولار عالميًا قبيل بيانات التضخم الحاسمة وقرار الفائدة المرتقب

شهدت أسواق العملات العالمية حالة من الاستقرار النسبي خلال تداولات يوم الجمعة، 24 أكتوبر 2025، حيث حافظ الدولار الأمريكي على تماسكه مقابل سلة من العملات الرئيسية. ويأتي هذا الهدوء الحذر في الوقت الذي يستعد فيه المستثمرون والمتعاملون لصدور بيانات التضخم الأمريكية الرئيسية في وقت لاحق اليوم، والتي يُنظر إليها على أنها المؤشر الأخير قبل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) الأسبوع المقبل، والذي من المتوقع على نطاق واسع أن يشهد أول خفض في أسعار الفائدة منذ بدء دورة التشديد النقدي.

ويتجه مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل ست عملات رئيسية، لتحقيق مكاسب أسبوعية طفيفة، مما يعكس حالة من التوازن في السوق بين التوقعات بخفض الفائدة من جهة، وجاذبية الدولار كملاذ آمن في ظل بعض الضبابية التي تخيم على الاقتصاد العالمي من جهة أخرى. ويترقب المتعاملون بحذر شديد، حيث يمكن لأي مفاجآت في أرقام التضخم أن تحدث تقلبات قصيرة الأجل، على الرغم من أن الإجماع العام يشير إلى أن مسار السياسة النقدية للمركزي الأمريكي قد تم تحديده إلى حد كبير.

خلفية المشهد الاقتصادي

يأتي هذا المنعطف المحتمل في سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد فترة طويلة من التشديد النقدي بدأت في عام 2022 لمكافحة موجة تضخم تاريخية. وعلى مدار العامين الماضيين، نجحت سلسلة رفع أسعار الفائدة في كبح جماح التضخم، لكنها أدت في الوقت نفسه إلى تباطؤ في بعض قطاعات الاقتصاد الأمريكي. وتشير البيانات الأخيرة إلى اعتدال في سوق العمل ونمو اقتصادي أبطأ، مما منح صانعي السياسة في البنك المركزي الثقة بأن الوقت قد حان للبدء في تخفيف السياسة النقدية لدعم النمو المستدام وتجنب حدوث ركود.

كانت تصريحات مسؤولي الفيدرالي في الأسابيع الأخيرة تميل بشكل متزايد نحو التيسير النقدي، حيث أشار العديد منهم إلى أن التضخم يسير في مسار هبوطي مستمر نحو الهدف البالغ 2%. وقد أدى هذا التوجيه المسبق من البنك المركزي إلى قيام الأسواق بتسعير خفض أسعار الفائدة بشكل شبه كامل، مما قلل من عنصر المفاجأة المحتملة في اجتماع الأسبوع المقبل.

أهمية بيانات التضخم المنتظرة

تتركز كل الأنظار الآن على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ويتوقع المحللون أن تظهر البيانات استمرارًا في تباطؤ ضغوط الأسعار، خاصة في المؤشر الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة. ويعتقد الخبراء أنه ما لم تأتِ الأرقام أعلى بكثير من التوقعات، فإنها لن تكون كافية لثني البنك المركزي عن قراره بخفض الفائدة.

يُعتبر هذا التقرير بمثابة قطعة الأحجية الأخيرة التي ستؤكد لصانعي السياسة أن الظروف مهيأة لبدء دورة التيسير. إن أي رقم يتماشى مع التوقعات أو يأتي أضعف منها سيعزز الحجة القائلة بأن السياسة النقدية الحالية مقيدة بما فيه الكفاية، وأن خفض الفائدة هو الخطوة المنطقية التالية للحفاظ على التوازن الاقتصادي.

تحركات العملات الرئيسية وتوقعات السوق

في ظل حالة الترقب هذه، كانت التحركات في أسواق العملات محدودة. وفيما يلي نظرة على أداء بعض العملات الرئيسية مقابل الدولار:

اليورو (EUR): استقر اليورو مقابل الدولار، حيث يتم تداوله في نطاق ضيق. ويواجه البنك المركزي الأوروبي تحدياته الخاصة المتعلقة بالنمو البطيء في منطقة اليورو، مما يحد من قدرة اليورو على تحقيق مكاسب كبيرة.
الجنيه الإسترليني (GBP): شهد الجنيه الإسترليني بعض التقلبات الطفيفة، متأثرًا بالبيانات الاقتصادية المحلية وتوقعات سياسة بنك إنجلترا النقدية، والذي يواجه أيضًا ضغوطًا لبدء خفض أسعار الفائدة.
الين الياباني (JPY): ظل الين الياباني تحت ضغط نسبي بسبب الفجوة الكبيرة في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن خفض الفائدة من قبل الفيدرالي قد يخفف بعض هذا الضغط، إلا أن السياسة النقدية شديدة التيسير لبنك اليابان لا تزال العامل المهيمن.

التأثيرات المحتملة على الأسواق العالمية

إن تأكيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي لبدء دورة خفض أسعار الفائدة سيكون له تداعيات واسعة تتجاوز أسواق العملات. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحول إلى تعزيز شهية المستثمرين للمخاطرة، مما قد يدعم أسواق الأسهم العالمية. كما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما يجعل الأصول ذات العائد المرتفع، مثل ديون الأسواق الناشئة، أكثر جاذبية.

بالنسبة للمستثمرين، فإن وضوح المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأمريكية يعد أمرًا بالغ الأهمية. فبعد فترة من عدم اليقين، يبدو أن الأسواق تتجه نحو بيئة اقتصادية جديدة تتسم بتكاليف اقتراض أقل، وهو ما يمكن أن يحفز الاستثمار والنمو على المدى المتوسط. ومع ذلك، يبقى التحدي الرئيسي أمام البنك المركزي هو تحقيق "هبوط ناعم" للاقتصاد، أي خفض التضخم دون التسبب في ركود حاد، وهو المسار الذي يبدو أنه يسير عليه بنجاح حتى الآن.