بيونغ يانغ تكشف عن ترسانتها الصاروخية الجديدة في استعراض عسكري مهيب

في استعراض عسكري ضخم جرى مؤخراً في ساحة كيم إيل سونغ بالعاصمة بيونغ يانغ، كشفت كوريا الشمالية عن أحدث ما في جعبتها من أسلحة استراتيجية، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، في رسالة تحدٍ واضحة للمجتمع الدولي. يأتي هذا العرض، الذي حضره الزعيم كيم جونغ أون وكبار القادة العسكريين والسياسيين، في سياق تصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية وتوقف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.

خلفية الحدث وأهميته

تستخدم كوريا الشمالية العروض العسكرية كمنصة أساسية لإظهار قوتها العسكرية ورسائلها السياسية. لا تقتصر هذه الفعاليات على كونها احتفالات بالذكرى السنوية لتأسيس الحزب أو الجيش أو الدولة، بل هي أدوات استراتيجية مصممة بعناية لإيصال رسائل متعددة الأوجه. على الصعيد الداخلي، تهدف هذه العروض إلى تعزيز الوحدة الوطنية والفخر بقدرات البلاد العسكرية، وتكريس سلطة الزعيم كيم جونغ أون. أما على الصعيد الخارجي، فهي بمثابة استعراض للقدرات الردعية المتقدمة التي تمتلكها بيونغ يانغ، وتأكيد على أنها لن تتخلى عن برنامجها النووي والصاروخي تحت ضغط العقوبات الدولية.

أبرز الأسلحة التي تم استعراضها

شهد العرض ظهور مجموعة من الأنظمة الصاروخية والأسلحة الجديدة التي أثارت اهتمام المحللين العسكريين حول العالم. وكان من أبرز ما تم الكشف عنه:

صاروخ "هواسونغ-17" العابر للقارات: وُصف هذا الصاروخ بأنه "الصاروخ الوحش" نظراً لحجمه الهائل، ويُعتقد أنه أكبر صاروخ باليستي متنقل يعمل بالوقود السائل في العالم. من الناحية النظرية، يمتلك هذا الصاروخ مدى كافياً لضرب أي مكان في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل تطوراً كبيراً في قدرات الردع النووي لكوريا الشمالية.
صواريخ باليستية تُطلق من الغواصات (SLBMs): تم أيضاً عرض نماذج جديدة من الصواريخ الباليستية المصممة للإطلاق من الغواصات. يعزز هذا النوع من الأسلحة قدرة بيونغ يانغ على توجيه "ضربة ثانية"، مما يعني أنه حتى لو تم تدمير منصات الإطلاق الأرضية في هجوم أولي، يمكن للغواصات أن ترد بهجوم نووي، وهو ما يعقد الحسابات الاستراتيجية لأي خصم.
أسلحة نووية تكتيكية: ألمحت بيونغ يانغ إلى تطوير رؤوس حربية نووية تكتيكية أصغر حجماً يمكن تحميلها على صواريخ قصيرة المدى. يثير هذا التطور قلقاً خاصاً لدى كوريا الجنوبية واليابان، حيث أن هذه الأسلحة مصممة للاستخدام في ساحة المعركة الإقليمية.
طائرات مسيرة متطورة: كشفت كوريا الشمالية كذلك عن طائرات مسيرة جديدة، بعضها يشبه في تصميمه نماذج أمريكية متطورة، مما يشير إلى سعيها لتنويع قدراتها الهجومية والاستطلاعية في الجو.

الرسائل السياسية والدلالات

الرسالة الأساسية التي تبعث بها بيونغ يانغ من خلال هذا العرض هي أن برنامجها لتطوير الأسلحة مستمر بوتيرة متسارعة على الرغم من العقوبات الاقتصادية المشددة. الخطاب الذي يلقيه الزعيم كيم جونغ أون في مثل هذه المناسبات غالباً ما يحدد مسار السياسة الدفاعية للبلاد، حيث أكد في خطابات سابقة على أن الهدف ليس فقط امتلاك سلاح نووي للردع، بل أيضاً استخدامه بشكل استباقي إذا تعرض "المصالح الأساسية" للبلاد للتهديد. يرى المحللون أن هذا العرض يهدف إلى الضغط على واشنطن وسيول للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أكثر ملاءمة لبيونغ يانغ، مع الاعتراف بها كقوة نووية.

ردود الفعل الدولية والتحليلات

كالعادة، قوبل العرض العسكري بإدانات من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، التي وصفته بأنه عمل استفزازي ينتهك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وعادة ما تعقب هذه الأحداث دعوات لتشديد العقوبات وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة لتعزيز الردع. في المقابل، تلتزم الصين وروسيا بموقف أكثر تحفظاً، حيث تدعوان جميع الأطراف إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار، مع توجيه انتقادات ضمنية للسياسات الأمريكية التي يعتبرانها سبباً في تصعيد التوتر. إن ظهور هذه الأسلحة المتقدمة يضع تحديات جديدة أمام جهود منع الانتشار النووي العالمية، ويؤكد أن كوريا الشمالية أصبحت لاعباً لا يمكن تجاهله في المعادلة الأمنية الدولية.