بي بي سي تستعرض مستقبل غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين

مع استمرار الجهود الدبلوماسية المكثفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يتضمن تبادل المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، يبرز تساؤل محوري حول شكل المستقبل في القطاع المدمر. تتضارب الرؤى وتتباين المواقف بين القوى الدولية والإقليمية والأطراف المعنية مباشرة، مما يجعل سيناريوهات "اليوم التالي" للحرب معقدة ومحفوفة بالتحديات.

خلفية المشهد الراهن

اندلعت الحرب الحالية عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس على بلدات إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل المئات واحتجاز أكثر من 240 شخصاً. ردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، بهدف معلن وهو القضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية وإعادة جميع المحتجزين. وقد أدت العمليات العسكرية المستمرة منذ ذلك الحين إلى أزمة إنسانية كارثية، مع دمار هائل في البنية التحتية ونزوح غالبية سكان القطاع.

محاور النقاش حول إدارة غزة مستقبلاً

تتركز النقاشات الدولية حول مستقبل غزة على عدة محاور رئيسية، لكل منها رؤية مختلفة لكيفية إدارة القطاع أمنياً وسياسياً وإنسانياً بعد توقف القتال.

الرؤية الأمريكية والموقف الدولي

تقود الولايات المتحدة جهوداً لصياغة خطة واضحة لمستقبل غزة، وتقوم رؤيتها على عدة مبادئ أساسية أعلنها الرئيس جو بايدن ومسؤولون في إدارته. تشمل هذه المبادئ:

رفض إعادة احتلال غزة: تشدد واشنطن على أن إسرائيل لا يمكنها إعادة احتلال القطاع بشكل دائم بعد الحرب.
عدم تقليص مساحة القطاع: تعارض الولايات المتحدة أي خطط إسرائيلية لإنشاء مناطق عازلة دائمة داخل أراضي غزة.
دور محوري للسلطة الفلسطينية: المحور الأساسي في الخطة الأمريكية هو تمكين "سلطة فلسطينية متجددة" لتولي إدارة غزة إلى جانب الضفة الغربية، كخطوة نحو توحيد الأراضي الفلسطينية.
إعادة الإعمار الدولي: تتضمن الرؤية برنامجاً دولياً ضخماً لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بتمويل من دول عربية وغربية.
مسار نحو حل الدولتين: تربط الإدارة الأمريكية كل هذه الخطوات بالهدف النهائي المتمثل في إحياء مسار سياسي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

الموقف الإسرائيلي وتحدياته الداخلية

على الجانب الآخر، تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو متباينة في رؤيتها ومتحفظة تجاه المقترحات الدولية. أبرز ملامح الموقف الإسرائيلي الرسمي تتمثل في الإصرار على تحقيق السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة إلى أجل غير مسمى لمنع تكرار هجوم مماثل. وقد رفض نتنياهو بشكل متكرر فكرة عودة السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية إلى غزة، معتبراً أنها لا تختلف أيديولوجياً عن حماس. كما أن وجود شركاء من اليمين المتطرف في حكومته يضع ضغوطاً إضافية نحو تبني سياسات أكثر تشدداً، مثل تشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة، وهي أفكار ترفضها غالبية دول العالم.

دور السلطة الفلسطينية والدول العربية

أبدت السلطة الفلسطينية استعدادها للعودة إلى إدارة قطاع غزة، لكنها تشترط أن يكون ذلك ضمن إطار حل سياسي شامل يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتلقى هذه الرؤية دعماً قوياً من الدول العربية الفاعلة مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تؤكد أن لا حل دائماً بدون تحقيق التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني. كما ترفض هذه الدول أي دور عسكري أو إداري لها في غزة بعد الحرب، وتصر على أن إدارة القطاع يجب أن تكون فلسطينية خالصة.

أبرز التحديات المستقبلية

يقف أمام أي خطة لمستقبل غزة عدد من العقبات الكبرى، منها:

الفجوة بين المواقف: التباين العميق بين الرؤية الأمريكية-العربية التي تركز على الحل السياسي والسلطة الفلسطينية، والموقف الإسرائيلي الذي يعطي الأولوية المطلقة للأمن ويرفض السلطة.
مستقبل حماس: يبقى مصير حركة حماس وقدراتها العسكرية سؤالاً مفتوحاً. فبينما تهدف إسرائيل إلى القضاء عليها تماماً، يرى محللون أن الحركة ستبقى كفكرة وقوة سياسية حتى لو ضعفت عسكرياً، مما يعقد أي ترتيبات أمنية مستقبلية.
حجم الدمار: يتطلب إعادة إعمار غزة جهوداً دولية هائلة ومليارات الدولارات، وهو أمر قد يستغرق سنوات طويلة ويحتاج إلى استقرار أمني وسياسي غير متوفر حالياً.
شرعية السلطة الفلسطينية: تواجه السلطة الفلسطينية تحديات تتعلق بشرعيتها وشعبيتها بين الفلسطينيين، مما يستدعي إجراء إصلاحات جوهرية لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها في غزة.

في الختام، يبدو أن تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وإتمام صفقة لتبادل المحتجزين والأسرى يمثل الخطوة الأولى والضرورية قبل الشروع في أي نقاش جاد حول مستقبل غزة. لكن الطريق بعد ذلك سيبقى طويلاً ومعقداً، ويعتمد بشكل كبير على قدرة المجتمع الدولي على جسر الهوة بين مواقف الأطراف المتصارعة وإيجاد صيغة تضمن الأمن للإسرائيليين والحرية والكرامة للفلسطينيين.