اختبار صاروخي نووي روسي يذكي التوترات.. وترامب ينتقد خطوة بوتين

في الأول من مارس 2018، شهد العالم إعلاناً روسياً وصفته الإدارة الأمريكية بـ"غير المناسب"، حيث كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سلسلة من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة، كان أبرزها صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية. هذا الإعلان، الذي تزامن مع فترة توتر متزايد بين موسكو وواشنطن، قوبل برفض صريح من الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، الذي رأى فيه خطوة تصعيدية تثير المخاوف بشأن سباق تسلح جديد وتحدياً للاستقرار الدولي.

خلفية التوترات المتصاعدة

لم يكن إعلان بوتين مفاجئاً تماماً في سياق العلاقات الروسية-الأمريكية المتوترة آنذاك. فقد كانت العلاقات بين البلدين تشهد تدهوراً مستمراً منذ سنوات، بفعل قضايا متعددة شملت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودورها في النزاع الأوكراني، وتدخلها المزعوم في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، فضلاً عن خلافات عميقة حول النزاعات في سوريا ومناطق أخرى. كانت موسكو تنظر إلى توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً ونشر الولايات المتحدة لأنظمة الدفاع الصاروخي في أوروبا كتهديد مباشر لأمنها القومي وقدرتها على الردع النووي، مما دفعها للبحث عن سبل لتعزيز قدراتها العسكرية الاستراتيجية.

إعلان بوتين عن "أسلحة خارقة"

جاء إعلان الرئيس بوتين خلال خطابه السنوي أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، حيث استعرض مقاطع فيديو ورسوماً متحركة تظهر الأسلحة الجديدة. كان محور الإعلان هو صاروخ كروز الذي يعمل بالدفع النووي، والذي أُطلق عليه لاحقاً اسم "بوريفيستنيك" (Burevestnik)، المعروف في الغرب بالرمز 9M730 أو "Skyfall". ادعى بوتين أن هذا الصاروخ يتمتع بمدى غير محدود وقادر على اختراق أي نظام دفاع صاروخي حالي أو مستقبلي بفضل محركه النووي الفريد، مما يجعله "منيعاً" عملياً. كما تحدث عن تطوير غواصات مسيرة تعمل بالطاقة النووية وصواريخ فرط صوتية أخرى، مشدداً على أن هذه الأسلحة هي رد روسيا على محاولات الولايات المتحدة لتجاوز المعاهدات الدولية والحد من القدرات الروسية.

الرد الأمريكي ورفض ترامب

جاء الرد الأمريكي سريعاً وحاسماً. فقد وصف الرئيس دونالد ترامب تصريحات بوتين حول الصاروخ النووي بأنها "غير مناسبة"، مشدداً على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تفوقها العسكري. وعبر مسؤولون أمريكيون آخرون عن شكوكهم حول مدى جاهزية هذه الأسلحة وقدرتها التشغيلية الفعلية، مشيرين إلى أن روسيا قد واجهت تحديات تقنية كبيرة في تطويرها، وأن بعض الاختبارات السابقة ربما فشلت. كما حذرت الإدارة الأمريكية من أن تطوير مثل هذه الأسلحة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي وسباق تسلح جديد، داعية روسيا إلى الالتزام بالمعاهدات القائمة للحد من الأسلحة.

الدوافع والتحليلات

تعددت التحليلات حول دوافع بوتين لإطلاق هذا الإعلان في ذلك التوقيت. يرى البعض أنه كان رسالة قوية للداخل والخارج قبل الانتخابات الرئاسية الروسية التي جرت بعد أيام قليلة، بهدف تعزيز صورته كقائد قوي قادر على حماية مصالح روسيا. كما اعتبر كثيرون الإعلان بمثابة رد مباشر على استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي صدرت قبله بفترة قصيرة، والتي صنفت روسيا والصين كمنافسين استراتيجيين. من الناحية التقنية، فإن مفهوم صاروخ كروز يعمل بالدفع النووي يثير مخاوف بيئية كبيرة، وقد تسببت اختبارات سابقة في حوادث مؤسفة، مما يلقي بظلال من الشك على جدوى وسلامة هذه التكنولوجيا على المدى الطويل.

تداعيات وتأثيرات مستقبلية

كان لإعلان بوتين تداعيات واسعة على المشهد الجيوسياسي. فقد أعاد إحياء المخاوف من سباق تسلح نووي بين القوى الكبرى، وأثار تساؤلات جدية حول مستقبل معاهدات الحد من الأسلحة، لا سيما معاهدة "نيو ستارت" (New START) التي تحد من الرؤوس الحربية والصواريخ الاستراتيجية. أدى هذا التطور إلى تصعيد الخطاب العدائي بين واشنطن وموسكو، وعزز من حالة عدم الثقة المتبادلة. كما دفع دولاً أخرى إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية، في ظل تنامي القدرات العسكرية الروسية والصينية. على المدى الطويل، يشكل تطوير هذه الأسلحة تحدياً كبيراً للاستقرار العالمي ويتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة لتجنب مزيد من التصعيد.

بشكل عام، يمثل إعلان روسيا عن اختبار صاروخ نووي جديد، ورد الفعل الأمريكي الرافض، نقطة تحول مهمة في ديناميكيات العلاقات الدولية، مؤكداً استمرار المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى وتصاعد التوترات الجيوسياسية في عالم ما بعد الحرب الباردة.