تضليل رقمي: الذكاء الاصطناعي يختلق حقائق في السودان المأزوم

يرزح السودان تحت وطأة صراع مدمر منذ أبريل 2023، مخلفًا أزمة إنسانية كارثية وتداعيات اجتماعية واقتصادية وخيمة. وفي خضم هذه الفوضى والمعاناة الإنسانية المتفاقمة، يظهر تحدٍ جديد يزيد من تعقيد المشهد ويُلقي بظلاله على الواقع: تغلغل الذكاء الاصطناعي في المشهد المعلوماتي، حيث يُستخدم لإنشاء ونشر روايات وأحداث غير حقيقية. هذا التضليل الرقمي لا يفاقم الارتباك فحسب، بل يهدد أيضًا بتقويض جهود الاستقرار والإغاثة، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى وضع متأزم بالفعل.

الخلفية والأزمة السودانية

اندلع الصراع الحالي في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما أسفر عن خسائر بشرية فادحة ونزوح جماعي لأكثر من ثمانية ملايين شخص من منازلهم. تتزايد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة تشمل مجاعة ونقصًا حادًا في الغذاء والدواء والمأوى، بينما يعيش الملايين في ظروف بالغة السوء. في هذا المناخ المحفوف بالمخاطر، يصبح الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة أمرًا حاسمًا لسلامة المدنيين، وتوجيه الاستجابة الإنسانية، وتمكين المجتمع الدولي من فهم حجم الأزمة والتفاعل معها بفعالية.

تغلغل الذكاء الاصطناعي في السرديات الزائفة

مع التطور السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح من السهل بشكل متزايد إنتاج محتوى مزيف عالي الجودة يشمل الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية وحتى النصوص. في السياق السوداني، استُغل هذا التطور لابتكار ونشر معلومات مضللة حول مسار المعارك، وحجم الخسائر، ومواقع القوات، وحتى الادعاءات الكاذبة بشأن أعمال عنف أو فظائع لم تحدث. يتم تداول هذه المحتويات المزيفة غالبًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يصعب التمييز بين الحقيقي والمزيف في ظل غياب آليات التحقق الفعال والاضطراب العام.

تظهر تقارير حديثة أن بعض الجهات تستخدم تقنيات التزييف العميق (deepfakes) لإنشاء صور أو مقاطع فيديو لشخصيات سياسية أو عسكرية سودانية وهي تتفوه بتصريحات لم تصدر عنها، أو تظهر في أماكن لم تتواجد فيها. هذه الممارسات لا تهدف فقط إلى تضليل الجمهور أو تشويه سمعة أطراف معينة، بل تسعى أيضًا إلى إثارة الفتنة بين المكونات الاجتماعية، وتقويض الثقة في أي رواية إخبارية رسمية أو مستقلة، مما يعزز من حالة عدم اليقين والانقسام.

الآثار والتداعيات الخطيرة

إن التأثيرات المترتبة على انتشار السرديات الزائفة التي يولدها الذكاء الاصطناعي عميقة وخطيرة، لا سيما في بيئة هشة مثل السودان. أولاً، تزيد هذه المعلومات المضللة من مستويات الارتباك والخوف بين السكان الذين يعانون بالفعل من ويلات الحرب، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والتلاعب النفسي. ثانيًا، يمكن أن تعرقل جهود الإغاثة الإنسانية من خلال نشر معلومات خاطئة عن الطرق الآمنة، أو مناطق التجمع للمساعدات، أو حتى مواقع النزاع، مما قد يعرض حياة الناس للخطر ويعرقل وصول المساعدات الضرورية لمن هم في أمس الحاجة إليها.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي هذا التضليل الرقمي إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية وتأجيج الكراهية، خاصة في بيئة مشحونة بالتوترات العرقية والقبلية التي غالبًا ما تُستغل في الصراعات. كما أنه يقوض مصداقية الصحافة الحقيقية والمنظمات الإعلامية التي تحاول توثيق الأحداث بشكل مهني ومحايد، مما يجعل من الصعب على المجتمع الدولي فهم الصورة الكاملة لما يحدث على الأرض واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الدعم أو التدخلات المحتملة.

الحاجة إلى اليقظة والتحقق

لمواجهة هذا التحدي المتزايد، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز آليات التحقق من الحقائق والتوعية بمخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي. تلعب منظمات المجتمع المدني والصحفيون المستقلون دورًا حيويًا في فضح المعلومات المضللة، لكنهم يواجهون تحديات هائلة في ظل الانتشار السريع لهذه الروايات على منصات التواصل الاجتماعي. كما يتطلب الأمر استجابة عالمية من شركات التكنولوجيا لتطوير أدوات فعالة للكشف عن المحتوى المزيف وتحمل مسؤوليتها في منع انتشاره على منصاتها.

يجب على المستخدمين في السودان وخارجه أن يكونوا شديدي الحذر عند تلقي المعلومات، خاصة تلك التي تبدو مثيرة للجدل أو تثير المشاعر القوية. ينبغي عليهم التحقق دائمًا من مصادر الأخبار وتجنب مشاركة المحتوى الذي لم يتم التحقق منه، خصوصًا في ظل الأزمة الراهنة حيث يمكن أن يكون للمعلومات الكاذبة عواقب وخيمة على أرض الواقع.

خلاصة

في الوقت الذي يصارع فيه السودان من أجل البقاء والبحث عن سبل لإنهاء صراعه الدامي، يبرز الذكاء الاصطناعي كبعد جديد وخطير في حرب المعلومات. إن اختلاق الأحداث والروايات غير الحقيقية لا يزيد من معاناة الشعب السوداني فحسب، بل يهدد أيضًا بتقويض أي فرصة للسلام والاستقرار من خلال زرع بذور الشك وعدم الثقة. يجب أن يكون فهم هذا التحدي والتعامل معه بجدية جزءًا لا يتجزأ من أي استراتيجية تهدف إلى مساعدة السودان على تجاوز أزمته المعقدة، وضمان أن الحقيقة لا تضيع في خضم الصراع والتشويه الرقمي.