تصاعد العنف في الفاشر يثير مخاوف دولية من تقسيم السودان

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيداً عسكرياً خطيراً وأزمة إنسانية متفاقمة في ظل الحصار والهجمات المكثفة التي تشنها قوات الدعم السريع، مما أثار موجة من التحذيرات الدولية من وقوع فظائع جماعية، وأعاد إلى الواجهة مخاوف جدية من أن ينزلق السودان نحو سيناريو التقسيم الفعلي.

خلفية الصراع وأهمية الفاشر الاستراتيجية

منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تحولت البلاد إلى ساحة حرب مدمرة. وتكتسب مدينة الفاشر أهمية استثنائية لكونها آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور الشاسع، والذي سيطرت قوات الدعم السريع على عواصمه الأربع الأخرى. كما تمثل المدينة مركزاً إنسانياً حيوياً، حيث تؤوي مئات الآلاف من النازحين الذين فروا من مناطق أخرى في الإقليم، وتتميز بتركيبتها السكانية التي تضم مجموعات عرقية متنوعة، مما يجعلها رمزاً للتعايش السلمي الذي بات مهدداً.

التطورات الميدانية والأوضاع الإنسانية

خلال الأسابيع الأخيرة، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على الفاشر، وشنت هجمات متكررة مصحوبة بقصف مدفعي عنيف استهدف الأحياء السكنية ومخيمات النازحين والمرافق الحيوية. وأفادت تقارير منظمات إنسانية وشهود عيان بتدمير أجزاء واسعة من المدينة، بما في ذلك المستشفى الرئيسي الذي توقف عن العمل بعد تعرضه لهجوم مباشر، مما حرم آلاف المدنيين من الرعاية الطبية العاجلة. وأدت هذه الهجمات إلى مقتل وجرح المئات، وتفاقم الأوضاع المعيشية مع نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، بينما تواجه وكالات الإغاثة صعوبات بالغة في الوصول إلى المحاصرين.

تحذيرات دولية ومخاوف من التقسيم

أثار الهجوم على الفاشر قلقاً دولياً واسعاً، حيث حذرت الأمم المتحدة والولايات المتحدة من أن المدينة على شفا كارثة إنسانية كبرى، مع وجود خطر حقيقي لوقوع أعمال عنف على أسس عرقية قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. وفي هذا السياق، برزت تصريحات لمسؤولين أمريكيين سابقين، من بينهم روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي عبر عن قلقه العميق من أن يؤدي الصراع إلى تقسيم السودان. ويرى محللون أن سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على دارفور قد تشجعها على إقامة إدارة ذاتية أو كيان منفصل في غرب البلاد، مما يؤسس لتقسيم فعلي للسودان على أسس جغرافية وعرقية، وهو سيناريو من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

التداعيات المحتملة على مستقبل السودان

تعتبر معركة الفاشر نقطة تحول محتملة في مسار الحرب السودانية. فسقوطها لن يمثل فقط خسارة عسكرية استراتيجية للجيش، بل قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع أكثر دموية وتعقيداً. وتتلخص التداعيات المحتملة في النقاط التالية:

كارثة إنسانية واسعة النطاق: تعرض حياة أكثر من 1.5 مليون شخص، بين سكان ونازحين، لخطر مباشر.
تفكك الدولة: تعزيز سيطرة قوات الدعم السريع على دارفور قد يدفع نحو إعلان حكم ذاتي أو انفصال، مما يهدد وحدة السودان بشكل نهائي.
تأجيج الصراعات العرقية: إمكانية تكرار الفظائع التي شهدها إقليم دارفور في أوائل الألفية، مع استهداف جماعات عرقية محددة.
زعزعة الاستقرار الإقليمي: امتداد تداعيات الصراع والتقسيم المحتمل إلى دول الجوار التي تعاني أصلاً من أزمات أمنية.

وفي ظل فشل الجهود الدبلوماسية حتى الآن في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يبقى مصير ملايين السودانيين ومستقبل الدولة معلقاً على نتيجة المعارك الدائرة في الفاشر وغيرها من الجبهات المشتعلة.