تحليلات حول مساعي إسرائيل لتقسيم غزة وإعادة تشكيلها جغرافياً

تشير التطورات الميدانية الأخيرة في قطاع غزة، مدعومة بتحليلات وصور أقمار صناعية، إلى أن إسرائيل تنفذ استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي للقطاع بشكل دائم. ترتكز هذه الاستراتيجية على محورين رئيسيين: إنشاء ممر يفصل شمال غزة عن جنوبها، وإقامة منطقة أمنية عازلة على طول الحدود، مما يثير مخاوف دولية بشأن مستقبل القطاع المحاصر وسكانه.

الخلفية والسياق العام

منذ بدء عمليتها العسكرية الواسعة في غزة عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، لم تعلن الحكومة الإسرائيلية عن خطة واضحة ومفصلة لـ "اليوم التالي" للحرب. لكن الإجراءات التي يتخذها الجيش الإسرائيلي على الأرض بدأت ترسم ملامح واقع جديد يتجاوز الأهداف العسكرية المعلنة، ويشير إلى نية فرض سيطرة أمنية طويلة الأمد. وتأتي هذه التحركات في سياق تحول جذري عن سياسة فك الارتباط التي طبقتها إسرائيل عام 2005، والتي أنهت وجودها العسكري والمستوطنات داخل القطاع.

أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية

تتجسد المساعي الإسرائيلية لتغيير جغرافيا غزة من خلال مشروعين بارزين يتم تنفيذهما حالياً على الأرض:

ممر نتساريم: يعمل الجيش الإسرائيلي، وتحديداً كتيبة الهندسة القتالية 601، على شق وتعبيد طريق استراتيجي يمتد من الحدود الإسرائيلية شرقاً إلى ساحل البحر المتوسط غرباً. هذا الممر، الذي يُطلق عليه اسم "ممر نتساريم" نسبة إلى مستوطنة سابقة كانت في المنطقة، يقسم قطاع غزة فعلياً إلى قسمين، حيث يفصل مدينة غزة وشمال القطاع عن وسطه وجنوبه. الهدف الاستراتيجي من هذا الممر هو منح الجيش الإسرائيلي القدرة على التحكم في حركة السكان، وعزل المناطق عن بعضها، وتسهيل التوغلات العسكرية السريعة في المستقبل ومنع عودة النازحين إلى الشمال.
المنطقة العازلة: بالتوازي مع إنشاء الممر، تقوم القوات الإسرائيلية بعمليات تجريف وهدم واسعة النطاق للمباني السكنية والأراضي الزراعية داخل قطاع غزة على امتداد حدوده مع إسرائيل. تهدف هذه العمليات إلى إنشاء منطقة عازلة بعمق كيلومتر واحد تقريباً داخل أراضي القطاع. وتبرر إسرائيل هذا الإجراء بأنه ضروري لمنع تكرار هجمات مماثلة لهجوم أكتوبر، لكنه يعني عملياً تقليص مساحة القطاع الصغير أصلاً وتدمير آلاف المنازل والممتلكات الفلسطينية.

التداعيات والأهداف الاستراتيجية

يرى محللون أن هذه الإجراءات ليست مجرد تكتيكات عسكرية مؤقتة، بل هي جزء من رؤية استراتيجية أوسع لفرض سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على غزة دون الحاجة إلى إعادة احتلالها بشكل كامل. من خلال تقسيم القطاع إلى كانتونات معزولة والتحكم في الممرات الرئيسية، تسعى إسرائيل إلى منع ظهور أي كيان حكم فلسطيني موحد وقوي في المستقبل، وتفتيت أي مقاومة محتملة. على الصعيد الإنساني، تؤدي هذه الإجراءات إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، حيث إن تدمير المناطق الحدودية والمناطق المحيطة بالممر الجديد يجعل أجزاء كبيرة من غزة غير صالحة للسكن، مما يعزز من أزمة النزوح الداخلي ويجعل عودة السكان إلى ديارهم أمراً شبه مستحيل.

المواقف وردود الفعل الدولية

أثارت الخطط الإسرائيلية قلقاً واسعاً على الساحة الدولية. وقد أكدت الإدارة الأمريكية في مناسبات عدة معارضتها لأي محاولة لتقليص أراضي قطاع غزة أو إعادة احتلاله أو فرض حصار دائم عليه. كما حذرت دول إقليمية مؤثرة، مثل مصر والأردن، من أية إجراءات قد تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية. من جانبها، تعتبر السلطة الفلسطينية أن الإجراءات الإسرائيلية هي محاولة لفرض أمر واقع جديد يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حل الدولتين بشكل نهائي.