انتخابات الكاميرون: ملايين المواطنين يصوتون وسط توترات أمنية وسياسية

في السابع من أكتوبر 2018، توجه ملايين الناخبين المسجلين في الكاميرون إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في انتخابات رئاسية حاسمة، جرت في ظل مناخ سياسي وأمني متوتر للغاية. كانت هذه الانتخابات اختباراً حقيقياً للاستقرار في البلاد، حيث سعى الرئيس المخضرم بول بيا، الذي يحكم البلاد منذ عام 1982، للفوز بولاية رئاسية سابعة على التوالي، بينما كانت البلاد تواجه أزمة انفصالية متصاعدة في مناطقها الناطقة باللغة الإنجليزية وتهديدات أمنية مستمرة في أقصى الشمال.

خلفية سياسية وأمنية معقدة

جرت الانتخابات على وقع أزمتين أمنيتين رئيسيتين. الأولى هي الصراع المسلح في المنطقتين الشمالية الغربية والجنوبية الغربية، المعروفتين بالمناطق الأنجلوفونية. بدأت الأزمة في عام 2016 كاحتجاجات سلمية من قبل المحامين والمعلمين ضد ما اعتبروه تهميشاً لغوياً وثقافياً، لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح بعد قمع السلطات للاحتجاجات. ودعت الجماعات الانفصالية المسلحة إلى مقاطعة شاملة للانتخابات، وهددت كل من يشارك فيها، مما أثر بشكل كبير على سير العملية الانتخابية في هاتين المنطقتين. أما التحدي الأمني الثاني فتمثل في استمرار تهديدات جماعة بوكو حرام في منطقة أقصى الشمال، مما استدعى وجوداً عسكرياً مكثفاً لتأمين عملية التصويت هناك.

المرشحون الرئيسيون في السباق

شهدت الانتخابات تنافس تسعة مرشحين، لكن المنافسة الحقيقية انحصرت بين عدد قليل من الشخصيات البارزة. كان أبرزهم:

بول بيا: مرشح حزب التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني الحاكم، والذي يتولى السلطة منذ 36 عاماً، معتمداً على قاعدة دعم قوية داخل أجهزة الدولة والحزب الحاكم.
موريس كامتو: مرشح حركة النهضة الكاميرونية، وهو وزير سابق انشق عن النظام وأصبح أحد أبرز وجوه المعارضة، وتمكن من حشد دعم كبير من حوله.
جوشوا أوسيه: مرشح الجبهة الديمقراطية الاجتماعية، الحزب المعارض التاريخي في الكاميرون، والذي واجه تحدياً في الحفاظ على زخمه السابق.
كابرال ليبي: مرشح شاب استقطب اهتمام فئة الشباب، مقدماً نفسه كبديل للطبقة السياسية التقليدية.

واجهت المعارضة تحدي الانقسام، حيث فشلت في التوحد خلف مرشح واحد لمواجهة الرئيس بيا، وهو ما اعتبره المحللون عاملاً أضعف من فرصها في تحقيق تغيير.

يوم الاقتراع والنتائج المثيرة للجدل

تميز يوم الانتخابات بتباين كبير في نسبة المشاركة عبر أنحاء البلاد. فبينما كانت المشاركة طبيعية في بعض المناطق، شهدت المناطق الأنجلوفونية إقبالاً ضعيفاً للغاية وصل في بعض الدوائر إلى أقل من 5% بسبب العنف والتهديدات. كما شابت العملية الانتخابية اتهامات بحدوث مخالفات وتجاوزات، حيث تحدثت المعارضة ومراقبون مستقلون عن عوائق لوجستية وحالات تزوير. بعد فترة من الترقب، أعلنت النتائج الرسمية في 22 أكتوبر 2018، حيث فاز الرئيس بول بيا بنسبة 71.28% من الأصوات، ليضمن بذلك فترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وحل موريس كامتو في المرتبة الثانية بنسبة 14.23%.

تداعيات الانتخابات وأهميتها

رفضت المعارضة، وعلى رأسها موريس كامتو الذي أعلن فوزه قبل صدور النتائج الرسمية، الاعتراف بالنتائج ووصفتها بأنها "سرقة انتخابية". وقد تم تقديم طعون قانونية إلى المجلس الدستوري، إلا أنها رُفضت جميعها. أدت هذه النتائج إلى تفاقم الأزمة السياسية، حيث شهدت البلاد احتجاجات قمعتها السلطات بشدة، وبلغت الأزمة ذروتها باعتقال موريس كامتو ومئات من أنصاره في أوائل عام 2019. أكدت هذه الانتخابات على عمق الانقسامات في الكاميرون وفشلت في تقديم حلول للأزمات القائمة، بل ساهمت في ترسيخ الوضع الراهن وتأجيج الصراع في المناطق الناطقة بالإنجليزية، مما جعل مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد أكثر غموضاً.