ترامب يعارض تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك محذراً من استنزاف الترسانة الأمريكية

أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعاً بعد إعلانه معارضته الشديدة لإمكانية إرسال صواريخ كروز متطورة من طراز توماهوك إلى أوكرانيا. ويستند موقفه، الذي عبّر عنه في تصريحات علنية خلال شهر مارس 2023، إلى مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى استنزاف خطير للمخزونات العسكرية الخاصة بالولايات المتحدة، مما يضعف جاهزيتها الدفاعية. وتأتي هذه التصريحات لتضيف بُعداً جديداً من الخلاف إلى النقاش السياسي الأمريكي الدائر حول حجم وطبيعة الدعم العسكري المقدم لكييف في مواجهتها مع روسيا.

خلفية الطلبات الأوكرانية

منذ بداية النزاع، دأبت أوكرانيا على مطالبة حلفائها الغربيين بتزويدها بأسلحة دقيقة بعيدة المدى. الهدف الاستراتيجي من وراء هذه المطالب هو تمكين القوات الأوكرانية من استهداف مواقع عسكرية روسية حيوية تقع في عمق الأراضي التي تسيطر عليها، مثل مراكز القيادة والتحكم، ومستودعات الذخيرة، والقواعد الجوية، وشبكات الإمداد اللوجستي. وتُعتبر صواريخ مثل توماهوك، وهي صواريخ كروز مجنحة تعمل في جميع الظروف الجوية وقادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية من مسافات بعيدة، نقلة نوعية في القدرات الهجومية لأي جيش. ورغم ذلك، أبدت إدارة الرئيس جو بايدن وحلفاء آخرون في الناتو حذراً كبيراً تجاه توفير هذه المنظومات، خشية استخدامها لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، الأمر الذي قد يُنظر إليه كتصعيد خطير للنزاع.

موقف ترامب وتفاصيل تصريحاته

خلال مشاركته في "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" (CPAC)، انتقد ترامب بشدة سياسة الإدارة الحالية، معتبراً أن التركيز المفرط على تسليح أوكرانيا يأتي على حساب الجاهزية العسكرية الأمريكية. وقدّم ترامب حجته من منظور مبدئه "أمريكا أولاً"، حيث شدد على ضرورة إعطاء الأولوية لموارد الدفاع الوطني لتعزيز قدرات الجيش الأمريكي. وتمحورت رسالته الأساسية حول فكرة أن الولايات المتحدة "بدأت تعاني من نقص في الذخيرة" ولا يمكنها تحمل تكلفة التخلي عن أصول عسكرية متطورة مثل صواريخ توماهوك، قائلاً: "نحن بحاجة إليها أيضاً". كما شكك في حجم المساعدات الضخمة التي تم إرسالها إلى أوكرانيا، متسائلاً عن غياب استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب، ومحذراً من أنها تقرب العالم من صراع عالمي.

السياق السياسي والانقسام الحزبي

يعكس موقف ترامب انقساماً متزايداً داخل الحزب الجمهوري. ففي حين يدعم العديد من الجمهوريين التقليديين في الكونغرس تقديم مساعدات قوية لأوكرانيا لمواجهة النفوذ الروسي، يظهر تيار شعبوي وقومي متنامٍ، يتزعمه ترامب، يعبر عن شكوكه تجاه هذا النهج. ويدعو هذا التيار إلى فرض رقابة أكبر على حزم المساعدات وتحويل التركيز نحو القضايا الداخلية وما يعتبرونه تهديدات أكبر للولايات المتحدة، مثل الصين. ويتناقض هذا الموقف بشكل حاد مع سياسة الرئيس جو بايدن، الذي قادت إدارته التحالف الدولي الداعم لأوكرانيا وتعهدت بتقديم مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات، واصفة إياها بأنها استثمار حاسم للدفاع عن الديمقراطية والقانون الدولي.

الأهمية والتداعيات المحتملة

إن الجدل الدائر حول تزويد أوكرانيا بأسلحة متقدمة يتجاوز كونه مسألة لوجستية، ليمس جوهر التوجهات المستقبلية للسياسة الخارجية الأمريكية. فتصريحات ترامب تهدف إلى حشد قاعدته الانتخابية قبل حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث يصور نفسه كمرشح مناهض للحروب يضع الاحتياجات الداخلية فوق الارتباطات الخارجية. وبالنسبة لأوكرانيا، فإن غياب الإجماع السياسي في واشنطن يخلق حالة من عدم اليقين بشأن استدامة الدعم الأمريكي على المدى الطويل. أما على الصعيد الدولي، فإن هذا النقاش يرسل إشارات إلى الحلفاء والخصوم، وخاصة روسيا والصين، حول تحولات محتملة في الأولويات الاستراتيجية الأمريكية بناءً على نتائج الانتخابات المقبلة. ويؤكد هذا السجال على التوازن الدقيق الذي يجب على الولايات المتحدة تحقيقه بين دعم حليف يواجه عدواناً والحفاظ على قدراتها الدفاعية وقوتها الرادعة.