لبنان يحتفي بأسبوع المطبخ الإيطالي: تلاقٍ ثقافي ونموذج للحياة المستدامة

شهدت بيروت يوم أمس أمسية تذوق فريدة من نوعها، أقيمت في صالة عرض Vresso للمطابخ الإيطالية في جل الديب، وذلك بمناسبة فعاليات أسبوع المطبخ الإيطالي في العالم. جاءت هذه المبادرة بدعوة كريمة من السفارة الإيطالية ومكتب الوكالة التجارية الإيطالية في بيروت، وحضرها جمع غفير من الشخصيات البارزة، على رأسهم سعادة السفير الإيطالي، فابريتسيو مارتشيللي، وزوجته، إضافة إلى رئيس مجلس إدارة شركة VRESSO، فريج صابونجيان، وحشد من الإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي والغذائي. تعكس هذه الأمسية، وغيرها من الفعاليات المماثلة التي تقام على مدار الأسبوع، الأهمية المتزايدة للمطبخ الإيطالي ليس فقط كفن طهي، بل كأداة قوية للتبادل الثقافي وتعزيز مفاهيم الحياة المتوازنة والمستدامة.

خلفية: أسبوع المطبخ الإيطالي في العالم

يمثل أسبوع المطبخ الإيطالي في العالم مبادرة سنوية عالمية تطلقها وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية، بهدف الترويج للتميز الغذائي والنبيذ الإيطالي، والقيم التي يمثلها المطبخ الإيطالي. تهدف هذه الفعاليات، التي تُنظم في أكثر من 100 دولة حول العالم، إلى تسليط الضوء على جودة المكونات الإيطالية، وتقاليد الطهي العريقة، فضلاً عن الارتباط الوثيق للمطبخ الإيطالي بنمط الحياة الصحي والمتوازن، المعروف باسم حمية البحر الأبيض المتوسط. تتجاوز الأهداف مجرد التعريف بالأطباق لتشمل نشر الوعي حول سلامة الغذاء، وابتكار الطهي، وتعزيز السياحة الغذائية في إيطاليا.

الاحتفال في لبنان: جسر بين الثقافات

يُعد الاحتفال بأسبوع المطبخ الإيطالي في لبنان ذا أهمية خاصة، نظراً للعلاقات الثقافية والتاريخية العميقة التي تربط البلدين. يشكل المطبخ الإيطالي جزءاً لا يتجزأ من النسيج الغذائي في لبنان، حيث تحظى الأطباق الإيطالية بشعبية واسعة، وتنتشر المطاعم الإيطالية بكثرة. وفي هذا السياق، يعمل الأسبوع على تعزيز هذه العلاقة من خلال:

التبادل الثقافي: توفير منصة للحوار وتبادل الخبرات بين الطهاة والمختصين اللبنانيين والإيطاليين.
فهم التقاليد: تعريف الجمهور اللبناني ليس فقط بالأطباق، بل بالقصص والتقاليد التي تكمن وراء كل وصفة إيطالية أصيلة.
التعاون الدبلوماسي: استخدام الطعام كأداة للدبلوماسية الثقافية، تعزيزاً لأواصر الصداقة والتعاون بين إيطاليا ولبنان.

تُسهم هذه الفعاليات في بناء جسور التفاهم والتقدير المتبادل، حيث يصبح الطعام لغة عالمية توحد الشعوب وتُبرز أوجه التشابه الثقافي.

نموذج لأسلوب حياة متوازن ومستدام

لا يقتصر دور المطبخ الإيطالي على كونه ممتعاً ولذيذاً فحسب، بل يُقدم أيضاً نموذجاً ملهماً لأسلوب حياة متوازن ومستدام، وهو ما يُشدد عليه خلال هذا الأسبوع. تتجلى هذه المفاهيم في عدة جوانب:

حمية البحر الأبيض المتوسط: التي تعتمد على استهلاك كميات كبيرة من الخضروات والفواكه الطازجة، والحبوب الكاملة، والبقوليات، وزيت الزيتون البكر الممتاز، مع الاعتدال في استهلاك اللحوم الحمراء. تُعرف هذه الحمية بفوائدها الصحية العديدة، بما في ذلك تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان.
المكونات الموسمية والمحلية: التركيز على استخدام المكونات الطازجة والمتاحة محلياً وموسمياً، مما يدعم المزارعين المحليين ويقلل من البصمة الكربونية المرتبطة بنقل الطعام لمسافات طويلة.
ثقافة “الباستا” و”البطيء”: تعزيز مفهوم “الأكل البطيء” (Slow Food) الذي يشجع على الاستمتاع بالوجبات، وتقدير عملية الطهي، وتناول الطعام في جماعات، على عكس ثقافة “الوجبات السريعة” (Fast Food). هذا النهج لا يُحسن الهضم فحسب، بل يُعزز أيضاً الروابط الاجتماعية.
الاستدامة في الإنتاج: دعم الممارسات الزراعية المستدامة والحفاظ على التنوع البيولوجي، التي تضمن توفر الموارد الغذائية للأجيال القادمة.

من خلال تسليط الضوء على هذه الجوانب، يسعى أسبوع المطبخ الإيطالي إلى إلهام الأفراد والمجتمعات لتبني عادات غذائية أكثر صحة ووعياً بيئياً.

الآثار والآفاق المستقبلية

يترك الاحتفال بأسبوع المطبخ الإيطالي في لبنان آثاراً إيجابية متعددة الأوجه. فهو لا يعزز فقط صورة إيطاليا كوجهة للتميز الغذائي، بل يثري أيضاً المشهد الطهي اللبناني، ويُشجع على الابتكار. كما يُساهم في تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين على المستويات الثقافية والاقتصادية. ومع كل عام، يتزايد الاهتمام بهذه الفعاليات، مما يُعزز من دور المطبخ الإيطالي كرمز عالمي للجودة، الصحة، والاحتفاء بالحياة، ويُؤكد على أهميته كنموذج يُحتذى به في سعي المجتمعات نحو تحقيق التوازن والاستدامة.