مدبولي يكشف التكلفة الحقيقية للتر السولار ويعلق على قرار رفع أسعار الوقود

في تصريحات حديثة تناولت واحدة من أكثر القضايا الاقتصادية حساسية في مصر، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، أن التكلفة الفعلية لإنتاج وتوفير لتر السولار (الديزل) تصل إلى 20 جنيهاً مصرياً. جاء هذا التصريح في سياق تعليقه على قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود، ملقياً الضوء على الفجوة الكبيرة بين سعر البيع الرسمي والتكلفة الحقيقية التي تتحملها الدولة، ومشدداً على أن هذا القرار يمثل جزءاً أساسياً من خطة شاملة لتحقيق الاستقرار المالي وضمان استدامة قطاع الطاقة في البلاد.

تعتبر قضية دعم الوقود من الملفات الشائكة التي تتصدر الأجندة الاقتصادية للحكومة المصرية منذ سنوات. فالسولار، على وجه الخصوص، يلعب دوراً محورياً في العديد من القطاعات الحيوية مثل النقل، والزراعة، والصناعة، مما يجعل أي تغيير في أسعاره يلامس بشكل مباشر حياة ملايين المواطنين والشركات. وقد أوضح مدبولي أن استمرار بيع السولار بسعر يقل كثيراً عن تكلفته الحقيقية كان يمثل عبئاً هائلاً على الموازنة العامة للدولة، ويستنزف مواردها التي يمكن توجيهها نحو برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً.

خلفية قرارات رفع الدعم عن الوقود

لطالما كانت مصر تعتمد على نظام واسع النطاق لدعم الطاقة، والذي سمح ببيع الوقود بأسعار أقل بكثير من تكلفتها الفعلية أو من الأسعار العالمية. وعلى الرغم من أن هذا النظام كان يهدف إلى تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين ودعم الأنشطة الاقتصادية، إلا أنه أدى بمرور الوقت إلى نتائج سلبية عديدة، منها:

استنزاف الموازنة العامة: حيث شكلت فاتورة الدعم عبئاً مالياً كبيراً ومتزايداً، خاصة مع تقلبات أسعار النفط العالمية.
تشوه أنماط الاستهلاك: مما شجع على الاستهلاك المفرط للطاقة وغياب الحوافز لترشيد الاستهلاك أو البحث عن بدائل أكثر كفاءة.
الاستفادة غير المتكافئة: حيث كانت نسبة كبيرة من الدعم تذهب بشكل غير مباشر إلى الشرائح الأكثر ثراءً أو إلى الأنشطة الاقتصادية التي لا تحتاج إلى هذا النوع من الدعم، بدلاً من الفئات الأكثر احتياجاً.
زيادة المديونية: لتمويل هذا الدعم، اضطرت الحكومة للاقتراض، مما ساهم في ارتفاع الدين العام.

بدأت الحكومة المصرية في تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي طموح في نوفمبر 2016، بدعم من صندوق النقد الدولي، وشمل هذا البرنامج إصلاحات هيكلية واسعة، من بينها التحرير التدريجي لأسعار الطاقة. تهدف هذه الإصلاحات إلى الوصول بأسعار الوقود إلى مستويات أقرب لتكلفتها الحقيقية، مع العمل على إعادة توجيه الدعم النقدي إلى الفئات الأكثر استحقاقاً عبر برامج الحماية الاجتماعية.

التطورات الأخيرة وتأثيرات القرار

يأتي قرار رفع أسعار الوقود الأخير في إطار استكمال الحكومة لخطتها لترشيد الدعم. وعلى الرغم من إدراك الحكومة للتحديات التي قد يفرضها هذا القرار على المواطنين والشركات، إلا أنها تؤكد على ضرورته لتحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل. وأوضح رئيس الوزراء أن الهدف هو تمكين الدولة من توفير الموارد اللازمة للاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الخدمات الأساسية، وتعزيز الإنفاق على الصحة والتعليم.

تتضمن تداعيات هذا القرار جوانب متعددة:

على الموازنة العامة: من المتوقع أن يساهم رفع الأسعار في تخفيف العبء المالي عن كاهل الدولة، ويقلل من عجز الموازنة، مما يعزز من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية وخفض الدين العام.
على التضخم: من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار السولار إلى زيادة في تكاليف النقل والإنتاج، مما قد ينعكس على أسعار السلع والخدمات الأخرى في السوق، وبالتالي يضيف ضغوطاً تضخمية.
على المواطنين: سيشعر المواطنون بزيادة في تكاليف المعيشة، خاصة فيما يتعلق بأسعار المواصلات والسلع الأساسية. لذا، تشدد الحكومة على أهمية برامج الحماية الاجتماعية الموجهة للفئات الأكثر ضعفاً للتخفيف من حدة هذه التأثيرات.
على القطاع الاقتصادي: قد تواجه بعض الشركات، لا سيما في قطاعات النقل والصناعة والزراعة، زيادة في تكاليف التشغيل. ومع ذلك، تأمل الحكومة في أن يؤدي هذا الإصلاح إلى بيئة اقتصادية أكثر استدامة وتنافسية على المدى الطويل، من خلال توفير موارد للاستثمار وتحسين البنية التحتية.

استراتيجية الحكومة للمستقبل

تؤكد الحكومة المصرية على التزامها بمواصلة سياسات الإصلاح الاقتصادي بحذر، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لأي قرار. ويشمل ذلك العمل على:

تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لدعم الفئات الأكثر احتياجاً.
مراقبة الأسواق لضمان عدم حدوث زيادات غير مبررة في الأسعار.
الاستمرار في تطوير قطاع الطاقة لزيادة الكفاءة والاعتماد على مصادر متنوعة، بما في ذلك الطاقة المتجددة.
تشجيع الاستثمار في البنية التحتية لتقليل تكاليف التشغيل على المدى الطويل.

يعكس تصريح رئيس الوزراء المصري حول التكلفة الحقيقية للسولار التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في مسيرتها نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وبينما تهدف هذه الإجراءات إلى بناء اقتصاد أقوى وأكثر استدامة، تظل الحاجة ماسة إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الإصلاح وضرورات التخفيف من الأعباء على المواطنين.