روسيا اليوم ودورها في سوريا: اتهامات بتشويه الحقائق وتأثير السرد الروسي على المشهد السوري.

يشهد المشهد الإعلامي العالمي، وتحديداً فيما يتعلق بتغطية الصراع السوري، جدلاً متواصلاً حول الدور الذي تلعبه قناة «روسيا اليوم» (RT) في تشكيل الروايات ونشر المعلومات. تُثار تساؤلات ومخاوف متزايدة بشأن طبيعة المحتوى الذي تقدمه القناة حول الأحداث في سوريا، وما إذا كان يسهم في تضليل الجمهور أو تشويه الحقائق على الأرض، مما قد يؤثر على الفهم العام للأزمة وتداعياتها.

خلفية الجدل حول التغطية الإعلامية الروسية في سوريا

تُعد قناة «روسيا اليوم» إحدى أبرز أدوات الإعلام الحكومي الروسي التي تستهدف جمهوراً عالمياً بعدة لغات، بما في ذلك اللغة العربية. منذ اندلاع النزاع السوري في عام 2011، ركزت القناة بشكل مكثف على تغطية الأحداث، وقدمت نفسها كبديل للروايات الغربية السائدة. وقد واجهت القناة منذ فترة طويلة اتهامات من منظمات حقوق الإنسان ووسائل إعلام مستقلة وحكومات غربية بأنها تعمل كبوق دعاية للحكومة الروسية، وتحديداً في دعم سياسات موسكو الخارجية.

في السياق السوري، غالبًا ما يُتهم محتوى «روسيا اليوم» بالتركيز على رواية تدعم الحكومة السورية وحلفائها، مع التقليل من شأن انتهاكات حقوق الإنسان المنسوبة لهذه الأطراف، وتسليط الضوء على الاتهامات الموجهة للمعارضة والجماعات المسلحة المدعومة من الغرب. هذا النمط من التغطية أثار جدلاً واسعاً حول مدى مصداقية المعلومات التي تقدمها القناة.

تطورات حديثة واتهامات محددة

في الأسابيع الأخيرة من فبراير 2025، تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لتغطية «روسيا اليوم» للشأن السوري، خصوصاً في ضوء التقارير الجديدة التي تشير إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق معينة وتزايد الحاجة للمساعدات. أفادت تقارير تحليلية صادرة عن مراكز أبحاث مستقلة ومنظمات مراقبة إعلامية بأن القناة تواصل تبني سردية محددة تعمل على:

تشويه الحقائق: عبر انتقاء المعلومات وإبراز جوانب معينة تتناسب مع الأجندة الروسية، مع إغفال أو التقليل من أهمية الأحداث التي لا تخدم هذه الأجندة.
تبييض الصورة: تقديم تقارير تهدف إلى تحسين صورة الحكومة السورية والوجود الروسي، وتصوير تدخلاتهما كعوامل استقرار أو استجابة للتطرف.
تضليل الرأي العام: استخدام مصطلحات وصور تهدف إلى تشكيل تصور معين لدى الجمهور حول طبيعة الصراع، الفاعلين فيه، وأسباب استمراره.

على سبيل المثال، أشارت بعض التحليلات إلى أن تغطية القناة للقصف الجوي على مناطق مدنية في شمال غرب سوريا، في أوقات سابقة، كانت تميل إلى تبرير تلك الهجمات بأنها استهداف لمعاقل إرهابية، بينما تجاهلت شهادات المدنيين والمنظمات الإنسانية حول سقوط ضحايا مدنيين.

تأثير السرد الروسي على المشهد السوري

لا يقتصر تأثير السرد الذي تروجه «روسيا اليوم» على المستوى الإعلامي فقط، بل يمتد ليشمل أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة داخل سوريا وخارجها. يُعتقد أن هذا السرد يساهم في:

تأجيج الانقسامات: من خلال تعزيز الروايات المتحيزة، قد تساهم القناة في تعميق الشرخ بين مكونات المجتمع السوري وتصعيب جهود المصالحة.
التأثير على المساعدات الإنسانية: قد يؤدي التشكيك في مصداقية التقارير عن الأوضاع الإنسانية أو تصويرها بشكل غير دقيق إلى التأثير على تدفق المساعدات وتوجيهها، وتجاهل الاحتياجات الملحة في مناطق معينة.
تشكيل الرأي العام الدولي: في ظل وجود جمهور عالمي كبير للقناة، فإن السرد الذي تقدمه يمكن أن يؤثر على مواقف الدول والمنظمات الدولية تجاه الأزمة السورية وسبل حلها.
المساهمة في استمرار الصراع: من خلال دعم أطراف معينة وتشويه صورة أخرى، يُنظر إلى هذه التغطية على أنها قد تعرقل مساعي الحل السياسي المستدام الذي يحظى بقبول جميع الأطراف.

يشدد المحللون على أن فهم التحديات في سوريا يتطلب الوصول إلى معلومات متوازنة وشاملة من مصادر متعددة، وهو ما قد يتعارض مع طبيعة التغطية الموجهة التي تقدمها قنوات مثل «روسيا اليوم» وفقاً للانتقادات الموجهة إليها.

موقف الجهات المعنية

عادة ما تدافع «روسيا اليوم» عن تغطيتها بالقول إنها تقدم "وجهة نظر بديلة" للأحداث العالمية وتتحدى "الهيمنة الإعلامية الغربية". وتصر القناة على أنها تلتزم بالمعايير الصحفية وأنها تقدم تقارير متوازنة من وجهة نظرها. ومع ذلك، تبقى الاتهامات قائمة، خاصة من قبل الجهات التي تراقب الدعاية والتضليل الإعلامي. يُنظر إلى هذه القضية على أنها جزء من حرب معلومات أوسع نطاقاً، حيث تسعى القوى الكبرى لفرض سردها الخاص للأحداث الجارية في العالم.

في الختام، يظل الجدل حول دور «روسيا اليوم» في سوريا وتأثير سردها الإعلامي قضية محورية في فهم تعقيدات الصراع وتحديات إيجاد حلول مستدامة له، مما يدعو إلى المزيد من التدقيق والتحليل الإعلامي.