زعماء دوليون في الكنيست: من خطاب السادات التاريخي إلى أبرز الكلمات التي شكلت السياسة الإسرائيلية

يُعد منبر الكنيست الإسرائيلي، وهو الهيئة التشريعية في إسرائيل، مسرحاً لأحداث سياسية ودبلوماسية بالغة الأهمية. وعلى مر العقود، استضاف عدداً من قادة العالم الذين ألقوا خطابات تاريخية، لم تكن مجرد كلمات بروتوكولية، بل كانت في كثير من الأحيان محطات فارقة عكست تحولات في علاقات إسرائيل الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وتكتسب هذه الخطابات أهميتها من كونها رمزاً للاعتراف الدبلوماسي والتواصل المباشر مع المشرعين والشعب الإسرائيلي.

خلفية تاريخية: منبر للتأثير الدولي

إن دعوة زعيم أجنبي لإلقاء كلمة أمام جلسة خاصة للكنيست هي تكريم رفيع المستوى، يُمنح عادةً لأبرز حلفاء إسرائيل أو لشخصيات تلعب دوراً محورياً في عمليات السلام. هذه المنصة لا توفر فرصة للزعيم الزائر لمخاطبة النخبة السياسية الإسرائيلية فحسب، بل توجه أيضاً رسائل قوية إلى المنطقة والعالم. وتظل أبرز هذه اللحظات وأكثرها تأثيراً في الذاكرة السياسية هي زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

خطاب السادات: لحظة غيرت تاريخ الصراع

في خطوة جريئة وصادمة للعالمين العربي والغربي على حد سواء، هبطت طائرة الرئيس المصري أنور السادات في إسرائيل، وفي 20 نوفمبر 1977، وقف أمام الكنيست ليلقي خطاباً تاريخياً. جاءت هذه الزيارة بعد سنوات من الحروب الدامية بين مصر وإسرائيل، وكانت تهدف إلى كسر الحاجز النفسي وبدء حوار مباشر من أجل السلام. في كلمته، دعا السادات إلى سلام دائم وعادل قائم على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وحل القضية الفلسطينية، مع الاعتراف بحق جميع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، في العيش بأمان. كان هذا الخطاب هو الشرارة التي مهدت الطريق أمام مفاوضات مكثفة أثمرت عن اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979، مما أعاد تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط بشكل جذري.

قادة آخرون على المنصة

لم يكن السادات هو الزعيم الوحيد الذي اعتلى منصة الكنيست، فقد سبقه وتبعه العديد من الشخصيات الدولية البارزة التي سعت لتعزيز العلاقات أو الدفع بعمليات السلام. من بين هؤلاء القادة:

رؤساء الولايات المتحدة: خاطب عدد من الرؤساء الأمريكيين الكنيست، مثل جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش، حيث أكدوا في خطاباتهم على عمق التحالف الاستراتيجي بين البلدين ودعم واشنطن لأمن إسرائيل.
قادة أوروبيون: ألقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كلمة باللغة الألمانية عام 2008، في لفتة رمزية ذات دلالات تاريخية عميقة. كما خاطب الكنيست الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر وغيرهم.
ممثلون آخرون: شملت القائمة أيضاً قادة من دول أخرى ورؤساء منظمات دولية، مما يعكس الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للتواصل المباشر مع إسرائيل عبر هيئتها التشريعية.

زيارة ترامب والخطاب المنتظر في 2017

في سياق هذه الخلفية التاريخية، أثارت زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى إسرائيل في مايو 2017 تكهنات واسعة حول إمكانية إلقائه خطاباً في الكنيست، لينضم بذلك إلى قائمة الرؤساء الأمريكيين الذين قاموا بذلك. وبالفعل، كانت هناك استعدادات وترقب كبير لهذه الكلمة المحتملة. إلا أنه خلافاً للتوقعات، لم يلقِ ترامب خطابه الرئيسي في الكنيست. بدلاً من ذلك، اختار متحف إسرائيل في القدس ليكون المكان الذي يوجه منه رسائله. وفي خطابه هناك، ركز ترامب على إعادة تأكيد الروابط الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتزامه بأمنها، كما وجه دعوة مشتركة لمحاربة التطرف ومواجهة التهديدات الإقليمية، خاصة من إيران.

الأهمية المستمرة والدلالات السياسية

تظل الخطابات التي يلقيها زعماء العالم في الكنيست مؤشراً قوياً على حالة العلاقات الدبلوماسية. إنها تعبر عن مستوى الشراكة، أو قد تكون، كما في حالة السادات، أداة لصنع سلام تاريخي. وفي العصر الحديث، ومع تطور وسائل الاتصال، استمر هذا التقليد، كما حدث عندما خاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعضاء الكنيست عبر الفيديو في عام 2022. وفي النهاية، يبقى هذا المنبر شاهداً على لحظات حاسمة في الدبلوماسية الدولية، حيث يمكن للكلمات أن تحمل وزناً يوازي، وأحياناً يفوق، القرارات السياسية التقليدية.