مصير الرسوم الجمركية الأمريكية: لماذا قد لا يغير حكم المحكمة العليا شيئًا؟

تستمر حالة من عدم اليقين في الأوساط التجارية والقانونية حول مستقبل الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس دونالد ترامب على مجموعة واسعة من السلع المستوردة. وعلى الرغم من التحديات القضائية المستمرة التي وصلت إلى مراحل متقدمة، يشكك العديد من خبراء التجارة في أن قرارًا من المحكمة العليا، حتى لو كان ضد الإجراءات الحكومية، قد يؤدي بالضرورة إلى إلغاء شامل لهذه الرسوم، نظرًا للتعقيدات القانونية والسياسية المحيطة بالقضية.

خلفية النزاع التجاري وأساسه القانوني

في محاولة لإعادة تشكيل العلاقات التجارية العالمية وحماية الصناعات المحلية، فرضت إدارة ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية العقابية منذ عام 2018. استندت هذه الإجراءات إلى تفويضات قانونية مختلفة منحتها السلطة التشريعية للرئيس، وأبرزها:

البند 232 من قانون التوسع التجاري لعام 1962: تم استخدامه لفرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم من معظم دول العالم، بحجة حماية الأمن القومي للولايات المتحدة.
البند 301 من قانون التجارة لعام 1974: كان هذا هو الأساس القانوني لفرض رسوم جمركية بمليارات الدولارات على سلع صينية، ردًا على ما اعتبرته واشنطن ممارسات تجارية غير عادلة، مثل سرقة الملكية الفكرية.

أثارت هذه الإجراءات ردود فعل انتقامية من الشركاء التجاريين، وأدت إلى نزاعات طويلة الأمد، كما دفعت آلاف الشركات الأمريكية إلى رفع دعاوى قضائية للطعن في شرعية هذه الرسوم.

التحديات القضائية واحتمالات حكم المحكمة العليا

تركزت معظم الدعاوى القضائية المرفوعة أمام محكمة التجارة الدولية الأمريكية على ما إذا كانت الإدارة قد تجاوزت سلطتها الممنوحة بموجب القانون. يجادل المدعون بأن الإدارة فشلت في اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة، أو أن مبرراتها، مثل "الأمن القومي"، كانت مفرطة في الاتساع وغير مدعومة بأدلة كافية. وفي حين أن بعض المحاكم الابتدائية أصدرت أحكامًا متباينة، فإن الأنظار تتجه نحو المحكمة العليا للبت في هذه القضايا المعقدة والفصل في دستورية استخدام هذه السلطات الرئاسية.

يمثل وصول هذه القضايا إلى المحكمة العليا لحظة حاسمة، حيث يمكن أن يعيد تعريف حدود سلطة الرئيس في مجال السياسة التجارية لعقود قادمة. ومع ذلك، فإن الحكم لا يزال غير مؤكد، وحتى صدوره، يظل الوضع الراهن قائمًا.

لماذا يشكك الخبراء في الإلغاء الشامل؟

يشير خبراء في القانون التجاري الدولي إلى عدة أسباب تجعل الإلغاء الكامل للرسوم الجمركية أمرًا مستبعدًا، حتى مع صدور حكم قضائي لصالح الشركات المتضررة. تتمثل هذه الأسباب في:

تعدد الأدوات القانونية: تمتلك السلطة التنفيذية الأمريكية ترسانة واسعة من القوانين التي يمكن استخدامها لفرض قيود تجارية. يرى الخبراء أنه حتى لو أبطلت المحكمة استخدام قانون معين، مثل البند 301، يمكن للإدارة اللجوء إلى قوانين أخرى مثل قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) لتحقيق أهداف مماثلة، مما يجعل المعركة القانونية معقدة وطويلة.
السوابق القضائية والنفوذ الرئاسي: تاريخيًا، منحت المحاكم الأمريكية الرئيس صلاحيات واسعة في شؤون السياسة الخارجية والتجارة الدولية، وغالبًا ما تحجم عن التدخل في قرارات تعتبر من صميم اختصاصات السلطة التنفيذية.
الواقع السياسي والاقتصادي: اكتسبت الرسوم الجمركية، خاصة تلك المفروضة على الصين، دعمًا من الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة. وقد أبقت إدارة الرئيس جو بايدن على معظم هذه الرسوم، مما يشير إلى أن إلغاءها يعتمد على حسابات سياسية واقتصادية تتجاوز نطاق المحاكم.
التعقيدات اللوجستية: إن إلغاء الرسوم بأثر رجعي وإعادة مليارات الدولارات التي تم تحصيلها على مدى سنوات يمثل تحديًا إداريًا هائلاً ومعقدًا، مما قد يدفع الحكومة إلى البحث عن تسويات بدلاً من الإلغاء الكامل.

الأثر المستمر على الاقتصاد

في غضون ذلك، تستمر الشركات والمستهلكون في تحمل تكلفة هذه الرسوم، التي غالبًا ما يتم تمريرها في شكل أسعار أعلى للسلع. يرى المستوردون والمصنعون الذين يعتمدون على المكونات الأجنبية أن هذه الرسوم تضر بالقدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي، بينما يجادل مؤيدوها بأنها ضرورية لحماية الوظائف والصناعات الحيوية. يبقى مصير هذه السياسات التجارية معلقًا، ليس فقط بقرار قضائي، بل أيضًا بتطورات المشهد السياسي والاقتصادي العالمي.