الحكومة الهولندية تفرض سيطرتها على شركة رقائق ذات ملكية صينية في خطوة "استثنائية"

في تطور يعكس تنامي المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بقطاع التكنولوجيا الحساس، اتخذت الحكومة الهولندية مؤخرًا خطوة "استثنائية" لفرض سيطرتها على النفوذ الأجنبي في صناعة الرقائق المحلية. يأتي هذا الإجراء، الذي كُشف عنه أواخر عام 2023 ومطلع عام 2024، في سياق تطبيق قانون جديد لفحص الاستثمارات الأجنبية، ويهدف إلى حماية الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية للبلاد من الملكية الأجنبية للشركات ذات التكنولوجيا الحيوية، وخاصة تلك المرتبطة بالصين.

الخلفية: أهمية قطاع الرقائق والمخاوف الأمنية

تُعد هولندا لاعبًا محوريًا في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية، بفضل شركات مثل ASML، الرائدة عالميًا في تصنيع آلات الطباعة الحجرية المتقدمة التي لا غنى عنها لإنتاج الرقائق الحديثة. هذه الأهمية الاستراتيجية جعلت البلاد في قلب التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تتنافسان على التفوق التكنولوجي والتحكم في قطاع الرقائق.

على مدى السنوات القليلة الماضية، تزايدت المخاوف داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن استحواذ كيانات أجنبية، لا سيما من الصين، على شركات التكنولوجيا الأوروبية التي تمتلك معرفة ومعدات حيوية. هذه الاستحواذات أثارت تساؤلات حول الأمن القومي، والقدرة على التحكم في التكنولوجيا المزدوجة الاستخدام (المدنية والعسكرية)، ومنع نقل المعرفة الحساسة إلى دول قد تستخدمها لأغراض غير متوافقة مع مصالح الدول الغربية.

استجابةً لهذه المخاوف، أقرت هولندا في 1 يونيو 2023 قانونًا جديدًا بشأن فحص الاستثمارات الأجنبية المباشرة (Wet Vifo)، والذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة للتدخل في عمليات الاستحواذ أو الاستثمارات التي قد تشكل خطرًا على الأمن القومي. هذا القانون يُعتبر جزءًا من جهود أوسع للاتحاد الأوروبي لتعزيز قدرته على فحص الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الحيوية.

التطورات الرئيسية: حالة "نكسبريا" و"نوي"

تجلت الخطوة الهولندية "الاستثنائية" في التدخل الحكومي لمنع استحواذ شركة Nexperia على شركة Nowi الهولندية الناشئة. تُعد شركة Nexperia، التي يقع مقرها الرئيسي في هولندا ولكنها مملوكة بالكامل لشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة Wingtech Technology، من الشركات الرائدة في تصنيع أشباه الموصلات. أما شركة Nowi، ومقرها دلفت، فهي متخصصة في تطوير تقنيات مبتكرة لجمع الطاقة للرقائق، وهي تكنولوجيا ذات تطبيقات واسعة وقد تكون حيوية للمستقبل.

في أواخر عام 2023، أصدرت وزارة الشؤون الاقتصادية والسياسات المناخية الهولندية قرارًا بحظر استحواذ Nexperia على Nowi. وجاء هذا القرار بعد تقييم شامل أجرته الحكومة، خلص إلى أن الصفقة قد تشكل خطرًا على الأمن القومي. لم تُفصح الحكومة عن تفاصيل المخاطر المحددة، لكنها أشارت إلى أهمية تقنيات Nowi الحساسة وإمكانية استخدامها لأغراض غير مرغوب فيها، أو فقدان هولندا السيطرة على هذه التكنولوجيا.

يُعد هذا التدخل أول تطبيق علني لقانون فحص الاستثمارات الأجنبية الجديد (Wet Vifo) لمنع صفقة استحواذ كاملة. وقد أشار وزير الشؤون الاقتصادية والسياسات المناخية، ميكي أدريانسنز، إلى أن حماية القدرة التنافسية الابتكارية لهولندا وحماية الأمن القومي يمثلان أولوية قصوى.

الأهمية والتداعيات

تكتسب هذه الخطوة الهولندية أهمية كبيرة لعدة أسباب:

سابقة قانونية: تمثل هذه الحالة أول تطبيق مباشر للقانون الهولندي الجديد لفحص الاستثمارات الأجنبية لمنع صفقة استحواذ، مما يضع سابقة قوية لكيفية تعامل الحكومة مع الاستثمارات في القطاعات الحساسة مستقبلاً.
تأكيد السيادة التكنولوجية: تعزز هذه الخطوة التزام هولندا بحماية سيادتها التكنولوجية ومنع انتقال التكنولوجيا الحيوية إلى قوى أجنبية قد تستخدمها ضد مصالحها أو مصالح حلفائها.
رسالة واضحة: تبعث هذه الخطوة برسالة واضحة إلى المستثمرين الأجانب، وخاصة من الدول التي تعتبرها هولندا ذات مخاطر جيوسياسية، بأن الحكومة ستتدخل بحزم لحماية قطاعاتها الحيوية.
التأثير على مناخ الاستثمار: بينما يرى البعض أن هذا الإجراء ضروري للأمن القومي، قد يثير آخرون مخاوف بشأن تأثيره على جاذبية هولندا كوجهة للاستثمار الأجنبي، على الرغم من أن القانون يستهدف فقط الاستثمارات التي تشكل مخاطر أمنية واضحة.
نموذج أوروبي: يمكن أن تشكل هذه الحالة نموذجًا للدول الأوروبية الأخرى التي تسعى لتعزيز آليات فحص الاستثمارات لديها في مواجهة التحديات الجيوسياسية.

ردود الفعل

أكدت الحكومة الهولندية أن قرارها كان ضروريًا ويهدف إلى حماية المصالح الوطنية، مشددة على أن هذا القانون ليس موجهًا ضد أي دولة بعينها، بل يركز على المخاطر المحتملة التي قد تنشأ عن أنواع معينة من الاستثمارات. على الرغم من أن شركة Nexperia أعربت عن خيبة أملها، إلا أنها لم تصدر رد فعل علني قوي حول الموضوع، وربما ستبحث عن سبل أخرى للنمو أو التركيز على مجالات أخرى. من المتوقع أن تراقب الصين هذه التطورات عن كثب، حيث تعتبر مثل هذه الإجراءات جزءًا من توجه أوسع نحو "فك الارتباط" أو "تقليل المخاطر" في العلاقات الاقتصادية الغربية معها.