فيديو قديم يعود للواجهة: قصة مزحة صالح الجعفراوي عن استشهاده التي صدقها الكثيرون

خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2023، انتشر مقطع فيديو قديم للصحفي والناشط الفلسطيني صالح الجعفراوي على منصات التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم، مثيراً موجة واسعة من الحزن والقلق قبل أن تتضح حقيقته. الفيديو، الذي يعود تاريخه إلى عدة أشهر قبل تصاعد الأحداث في غزة، ظهر فيه الجعفراوي وهو يمزح بشأن وفاته، ليتحول هذا المزاح لاحقاً إلى مادة لشائعة وفاته التي تفاعل معها الملايين حول العالم، مما يسلط الضوء على خطورة انتشار المعلومات المضللة في أوقات الأزمات والواقع الصعب الذي يعيشه الصحفيون في مناطق النزاع.

تفاصيل الفيديو المتداول

يعود أصل القصة إلى مقطع فيديو قصير تم تصويره قبل اندلاع الحرب الأخيرة في غزة. يظهر في الفيديو الصحفي صالح الجعفراوي وهو يجلس في سيارة برفقة أصدقائه، حيث يقرأ بابتسامة ساخرة خبراً مفبركاً عن "استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي". كانت الأجواء في الفيديو تتسم بالمزاح والدعابة، حيث كان المقطع مجرد محاكاة تهكمية لما قد يبدو عليه خبر وفاته في نشرات الأخبار. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتوقع أن هذا المقطع، الذي صُور على سبيل الفكاهة، سيعود ليظهر في سياق مأساوي ويصبح محوراً لشائعة عالمية.

انتشار شائعة الاستشهاد

مع اشتداد وتيرة القصف وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة أواخر عام 2023، بدأ الفيديو القديم بالظهور مجدداً. لكن هذه المرة، تم تداوله دون سياقه الأصلي، حيث قام العديد من المستخدمين بنشره مصحوباً بتعليقات تفيد باستشهاد الجعفراوي بالفعل. ساهمت الأوضاع الميدانية الصعبة، وانقطاع الاتصالات المتكرر في القطاع، في جعل الشائعة تبدو قابلة للتصديق إلى حد كبير. زاد من انتشار الخبر أن الجعفراوي كان معروفاً بتغطيته الميدانية الجريئة للأحداث، مما جعل خبر استهدافه أمراً وارداً في أذهان متابعيه. سرعان ما تحولت منصات مثل "إكس" (تويتر سابقاً) وفيسبوك إلى ساحة لتقديم التعازي والتعبير عن الحزن، حتى أن بعض وسائل الإعلام غير الدقيقة سقطت في فخ الشائعة ونقلت الخبر بشكل مبدئي.

نفي الشائعة وتوضيح الحقيقة

وسط حالة البلبلة والحزن التي سادت، ظهرت أصوات تشكك في صحة الخبر، وبدأت عمليات التحقق من قبل مدونين وصحفيين. بعد فترة من انتشار الشائعة، تمكن مقربون من الجعفراوي، وفيما بعد هو بنفسه، من نفي الخبر بشكل قاطع. أكدوا أنه على قيد الحياة ويواصل عمله في تغطية الأحداث من الميدان رغم كل المخاطر. أدى نفي الشائعة إلى شعور كبير بالارتياح بين متابعيه، ولكنه أثار في الوقت نفسه نقاشاً واسعاً حول سرعة انتشار الأخبار الكاذبة. استخدم الكثيرون وسم «ياريتها ضلت مزحة» للتعبير عن مشاعرهم المختلطة، بين الفرح بنجاته والقلق من أن هذه المزحة كادت أن تصبح حقيقة مؤلمة.

السياق والأهمية

تكتسب هذه الحادثة أهميتها من كونها تجسيداً حياً لعدة قضايا متداخلة. أولاً، هي تعكس البيئة شديدة الخطورة التي يعمل فيها الصحفيون الفلسطينيون في غزة، حيث يصبح الموت خبراً متوقعاً في أي لحظة. ثانياً، تكشف القصة عن القوة التدميرية للمعلومات المضللة في زمن الحرب، وكيف يمكن لمقطع فيديو خارج سياقه أن يؤجج المشاعر ويخلق حالة من الفوضى المعلوماتية. وأخيراً، فإن تفاعل الجمهور الواسع مع الشائعة يظهر مدى التعاطف العالمي مع الصحفيين الذين يخاطرون بحياتهم لنقل الحقيقة، وكيف أصبحوا رموزاً للصمود في وجه الظروف القاسية التي يواجهونها يومياً.