دراسات تحذر من تزايد التسمم الغذائي في الصيف وأخطاء الطهي الشائعة

تشير أبحاث وتحليلات حديثة صدرت في الأسابيع الأخيرة إلى تنامي ملحوظ في حالات الإصابة بالتسمم الغذائي خلال أشهر الصيف، محذرةً من أن الأمراض المنقولة بالغذاء تصبح أكثر شيوعًا بنحو عشرة أضعاف في هذه الفترة مقارنة بباقي فصول العام. يأتي هذا التحذير ليُسلط الضوء على مجموعة من الأخطاء الشائعة في التعامل مع الطعام وطهيه، والتي تُعد عوامل رئيسية في تفاقم هذه المشكلة الصحية العامة. يُفسر الخبراء هذا التزايد بالظروف البيئية والأنشطة المرتبطة بفصل الصيف، التي تهيئ بيئة مثالية لنمو البكتيريا وتكاثرها في الأطعمة، مما يستدعي رفع مستوى الوعي واتخاذ إجراءات وقائية فعالة للحفاظ على سلامة الغذاء وصحة الأفراد.

الخلفية والأسباب الرئيسية لتزايد التسمم الغذائي صيفاً

يُعد فصل الصيف بيئة خصبة لانتشار البكتيريا المسببة للتسمم الغذائي، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متداخلة. أولاً، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية إلى تسريع وتيرة نمو الكائنات الدقيقة مثل السالمونيلا، والإي كولاي، والكمبيلوباكتر، والليستيريا في الأطعمة، خاصةً تلك التي تُترك خارج الثلاجة. ثانياً، تتغير عادات تناول الطعام خلال الصيف، حيث يزداد الإقبال على النزهات والرحلات والشواء في الهواء الطلق، والتي غالبًا ما تفتقر إلى ظروف التخزين والتحضير المناسبة التي تتوفر في المطابخ المنزلية. هذا يعني أن الطعام قد يتعرض لحرارة الشمس المباشرة أو يُترك مكشوفًا لفترات طويلة، مما يزيد من فرص تلوثه البكتيري.

بالإضافة إلى ذلك، تُساهم بعض الممارسات غير الآمنة في التعامل مع الأطعمة في تفاقم المشكلة. فمثلاً، قد لا يتم طهي اللحوم والدواجن بشكل كامل على الشوايات الخارجية، أو قد تُنقل الأطعمة النيئة والمطبوخة في نفس الحاويات دون فصل، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـالتلوث المتبادل. هذه العوامل مجتمعة تجعل من الضروري فهم المخاطر وتطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة لتجنب الأمراض المنقولة بالغذاء.

أخطاء الطهي الشائعة التي تزيد من الخطر

تُعد الأخطاء في تحضير الطعام وطهيه وتخزينه هي المحرك الرئيسي لتفشي التسمم الغذائي. من أبرز هذه الأخطاء التي يجب الانتباه إليها:

عدم غسل اليدين والأدوات بشكل صحيح: إن عدم غسل اليدين بالماء والصابون قبل وبعد التعامل مع الطعام، خاصة اللحوم النيئة، وكذلك عدم تنظيف أسطح العمل والأدوات جيدًا، يمكن أن ينقل البكتيريا الضارة إلى الأطعمة.
التلوث المتبادل: استخدام نفس ألواح التقطيع أو الأدوات أو حتى الأيدي لتقطيع اللحوم النيئة والخضروات أو الأطعمة المطبوخة دون تنظيف بين الاستخدامات، يُعد خطأً فادحًا ينقل البكتيريا من مصدر لآخر.
عدم طهي الطعام لدرجة حرارة آمنة: يجب طهي اللحوم والدواجن والأسماك حتى تصل إلى درجة حرارة داخلية آمنة تقتل البكتيريا. الاعتماد على اللون أو الملمس وحده قد يكون مضللاً.
ترك الطعام المطبوخ خارج الثلاجة لفترات طويلة: تُعرف درجة الحرارة بين 5°م و 60°م بـ "منطقة الخطر"، حيث تتكاثر البكتيريا بسرعة. ترك الأطعمة المطبوخة أو القابلة للتلف في هذه المنطقة لأكثر من ساعتين (أو ساعة واحدة في درجات الحرارة فوق 32°م) يزيد من خطر التسمم.
التبريد غير الصحيح للأطعمة الكبيرة: عند طهي كميات كبيرة من الطعام، يجب تقسيمها إلى أجزاء صغيرة قبل تبريدها لضمان انخفاض درجة حرارتها بسرعة وتجنب بقائها في منطقة الخطر.
إعادة التسخين غير الكافي: يجب إعادة تسخين بقايا الطعام لدرجة حرارة 74°م على الأقل لقتل أي بكتيريا قد تكون نمت أثناء التخزين.
غسل اللحوم النيئة والدواجن: على عكس الاعتقاد الشائع، قد يؤدي غسل اللحوم النيئة والدواجن إلى نشر البكتيريا على الأسطح المحيطة عبر رذاذ الماء، دون القضاء عليها.

نصائح للوقاية من التسمم الغذائي

لضمان سلامة الغذاء وتجنب مخاطر التسمم الغذائي، يُوصي الخبراء باتباع أربع خطوات رئيسية تعرف بـ "نظّف، افصل، اطبخ، برّد":

نظّف: اغسل يديك جيدًا بالماء الدافئ والصابون قبل وبعد التعامل مع الطعام. نظّف جميع الأسطح والأدوات التي تلامس الطعام، خاصة بعد التعامل مع اللحوم النيئة. اغسل الفواكه والخضروات جيدًا تحت الماء الجاري.
افصل: افصل الأطعمة النيئة (اللحوم، الدواجن، المأكولات البحرية، البيض) عن الأطعمة الجاهزة للأكل لمنع التلوث المتبادل. استخدم ألواح تقطيع وأدوات مختلفة لكل نوع من الطعام.
اطبخ: اطهِ الطعام لدرجة حرارة داخلية آمنة. استخدم مقياس حرارة الطعام للتأكد، خاصة للحوم الحمراء والدواجن المفرومة والدواجن الكاملة. يجب أن تكون درجة الحرارة الداخلية للدواجن 74°م، وللحوم المفرومة 71°م، وللسوائل مثل الحساء 74°م.
برّد: برّد الطعام المطبوخ والأطعمة القابلة للتلف في غضون ساعتين من الطهي (أو ساعة واحدة في الأجواء الحارة). اضبط درجة حرارة الثلاجة على 4°م أو أقل، والمجمد على -18°م أو أقل. لا تترك الطعام يبرد على المنضدة لفترة طويلة.

كما يُنصح بتجنب تناول الأطعمة التي تبدو مشبوهة في الرائحة أو المظهر، والتعامل بحذر مع الأطعمة في البوفيهات المفتوحة خلال الصيف.

أهمية الوعي والتداعيات الصحية

إن فهم مخاطر التسمم الغذائي وتطبيق الممارسات الآمنة ليس مجرد توصية، بل ضرورة صحية. يمكن أن تتراوح أعراض التسمم الغذائي من الانزعاج الخفيف مثل الغثيان والقيء والإسهال وآلام البطن، إلى حالات شديدة تتطلب دخول المستشفى وقد تكون مهددة للحياة. الأطفال الصغار، وكبار السن، والنساء الحوامل، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة هم الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة، والتي قد تشمل الفشل الكلوي، والتهاب المفاصل، ومشاكل عصبية طويلة الأمد في بعض الحالات. وبالتالي، فإن نشر الوعي حول كيفية التعامل الآمن مع الطعام يمثل حجر الزاوية في حماية الصحة العامة وتقليل العبء على أنظمة الرعاية الصحية. إن التزام كل فرد بهذه المبادئ يسهم بشكل مباشر في خلق بيئة غذائية أكثر أمانًا للجميع، خاصة خلال فصل الصيف الذي يحمل تحدياته الخاصة.