ماري ديجيفسكي: رغم اتهامات التنمر، ترمب يثبت براعته في إبرام صفقات السلام

تثير تحليلات **ماري ديجيفسكي** تساؤلات حول شخصية الرئيس الأمريكي السابق، **دونالد ترمب**، مسلطة الضوء على مفارقة واضحة في منهجه الدبلوماسي. فبينما اشتهر بأسلوبه الخطابي الصريح، الذي يوصف في كثير من الأحيان بـ"التنمر" والضغط المباشر، شهدت فترة رئاسته إبرام صفقات سلام مهمة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. هذه المفارقة تضع الدبلوماسية التقليدية في مواجهة الأساليب غير التقليدية، وتفتح نقاشاً واسعاً حول فعالية هذا النهج وحدوده، لا سيما عند مقارنة نجاحاته في ملفات محددة بالتحديات التي واجهها في نزاعات دولية أكثر تعقيداً.

خلفية: أسلوب ترمب الدبلوماسي المميز

تميزت سياسة **دونالد ترمب** الخارجية، التي برزت بشكل خاص خلال فترة ولايته بين عامي 2017 و2021، بأسلوب "الصفقات أولاً"، والذي يعكس خلفيته كرجل أعمال ومطور عقاري. فضل ترمب المفاوضات الثنائية المباشرة على الأطر متعددة الأطراف والبروتوكولات الدبلوماسية المعقدة، معتمداً بشكل كبير على العلاقات الشخصية المباشرة مع قادة الدول. كان يؤمن بأن هذا الأسلوب يولد نفوذاً ويجبر الأطراف على التوصل إلى حلول سريعة وملموسة. اتسمت تصريحاته في كثير من الأحيان بالحدة والضغط، ما دفع الكثيرين لوصف أسلوبه بـ"التنمر" أو "الضغط الأقصى"، وهو ما كان يراه البعض تكتيكاً تفاوضياً فعالاً، بينما اعتبره آخرون يتجاهل المبادئ الدبلوماسية وحقوق الإنسان.

تطورات بارزة: صفقات السلام في الشرق الأوسط

تعتبر أبرز إنجازات **ترمب** الدبلوماسية هي **الاتفاقيات الإبراهيمية** التي تم توقيعها في **أغسطس وسبتمبر 2020**. شهدت هذه الاتفاقيات تطبيعاً تاريخياً للعلاقات بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، والمغرب. مثلت هذه الصفقات خرقاً للسياسة العربية التقليدية التي ربطت حل القضية الفلسطينية بالسلام مع إسرائيل. قامت إدارة ترمب بتسهيل هذه الاتفاقيات عبر مزيج من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والحوافز السياسية. على سبيل المثال، تضمنت الصفقة مع السودان شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومع المغرب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. هدفت هذه الاتفاقيات إلى بناء جبهة إقليمية موحدة ضد النفوذ الإيراني، مع تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. في سياق الإشارة إلى "غزة" في التحليل الأصلي، لم تكن الاتفاقيات الإبراهيمية صفقة سلام مباشرة تتعلق بغزة، بل كانت تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي بطرق كان يؤمل أن تؤدي إلى استقرار أوسع، وإن لم تعالج جوهر الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل مباشر، جادل مؤيدو هذه الصفقات بأنها قد توفر في النهاية سبيلاً لأمن أكبر لجميع الأطراف وتغير الديناميكيات نحو حلول مستقبلية.

التحديات: صراعات أكثر تعقيداً

في المقابل، واجه أسلوب **ترمب** الدبلوماسي تحديات كبيرة في التعامل مع النزاعات الدولية الأكثر تعقيداً وتشعباً. كمثال بارز، الحرب بين **روسيا وأوكرانيا**. على الرغم من تكرار **ترمب** لتصريحاته بأنه يستطيع إنهاء الصراع "في 24 ساعة" لو كان رئيساً، فإن طبيعة هذا النزاع تختلف جذرياً عن صفقات التطبيع الإقليمية. تتضمن الحرب الأوكرانية الروسية قضايا جيوسياسية عميقة، وتاريخاً طويلاً من التوتر، ومصالح أمنية حيوية لقوى عالمية، مما يجعلها تتجاوز نطاق "صفقة" بسيطة قائمة على المساومة المباشرة. لم يقدم **ترمب** خلال فترة ولايته أو بعدها تفاصيل واضحة عن كيفية تطبيق منهجه "الدبلوماسي القائم على الصفقات" في هذا السياق المعقد، حيث لا يمكن التوصل إلى حلول سريعة دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن انسحاب إدارته من اتفاقيات دولية مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ، وكذلك سياساته تجاه حلف الناتو، أظهرت حدود دبلوماسية "أمريكا أولاً" في التعامل مع التحديات العالمية التي تتطلب تضافر جهود متعددة الأطراف والالتزام بالهياكل الدولية.

الأهمية والتحليل

تكمن أهمية تجربة **ترمب** الدبلوماسية في أنها طرحت بديلاً جريئاً للدبلوماسية التقليدية، متحدية بذلك المعايير الراسخة. لقد أثبت أن الضغط المباشر والتفكير خارج الصندوق يمكن أن يحقق نتائج غير متوقعة في بعض السيناريوهات، خاصة عندما تكون الأطراف مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة مقابل مكاسب ملموسة، وحيث لا تتعارض المصالح الأساسية بشكل لا يمكن التغلب عليه. غير أن هذه النتائج غالبًا ما تكون مرتبطة بسياقات محددة، وقد كشفت تجربته عن أن الدبلوماسية القائمة على الشخصنة والتفاوض الثنائي قد تكون فعالة في بعض المواقف، لكنها قد تكون غير كافية أو حتى ضارة في النزاعات المعقدة التي تتطلب حلاً هيكلياً ودبلوماسية متعددة الأطراف والالتزام بالقانون الدولي. لقد أثار هذا النهج نقاشاً واسعاً حول ما إذا كانت هذه "الصفقات" مستدامة على المدى الطويل، وما إذا كانت تعزز الاستقرار الحقيقي أم أنها مجرد حلول مؤقتة لا تعالج الأسباب الجذرية للمشاكل.

تظل دبلوماسية **دونالد ترمب** ظاهرة فريدة من نوعها، تجمع بين أسلوب شخصي جدلي وقدرة ملحوظة على إبرام صفقات دبلوماسية في مناطق معينة. على الرغم من شهرته في استخدام أسلوب يوصف بـ"التنمر"، فإن سجل رئاسته يشير إلى أنه تمكن من إتقان فن معين في عقد صفقات السلام، خاصة في الشرق الأوسط. غير أن هذه البراعة لم تكن عالمية التطبيق، وواجهت حدوداً واضحة في النزاعات التي تتطلب حلاً أعمق وأكثر شمولية. تظل التساؤلات مطروحة حول مدى إمكانية استنساخ هذا النهج أو تطبيقه في المستقبل، وكيف يمكن لدولة عظمى أن توازن بين المصالح الوطنية والمسؤوليات الدولية في معالجة التحديات الدبلوماسية الراهنة.