مصر: رائدة في صناعة السلام ومحور للاستقرار الإقليمي

مصر، بتاريخها الطويل من الدبلوماسية الفاعلة والتزامها الراسخ بمبادئ القانون الدولي، تواصل ترسيخ مكانتها كقوة محورية في جهود صناعة وحفظ السلام الإقليمي والدولي. ومع تصاعد التوترات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الأشهر الأخيرة، برز الدور المصري كركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار وتخفيف حدة الصراعات، مؤكدة بذلك مقدرتها الفائقة على التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية ببراعة وحكمة. تكشف التقارير الأخيرة عن نشاط دبلوماسي مكثف من جانب القاهرة، يهدف إلى إيجاد حلول سلمية ومستدامة للتحديات الراهنة، مما يعكس رؤية مصر الاستراتيجية لأهمية الأمن الجماعي والتعاون الإقليمي.

جهود الوساطة في الأزمات الإقليمية

تجلت بصمات الدبلوماسية المصرية بوضوح في عدد من الملفات الساخنة، حيث سعت القاهرة باستمرار لتفعيل قنوات الاتصال وتيسير الحوار بين الأطراف المتنازعة. هذه الجهود تأتي انطلاقاً من إدراك مصر لموقعها الجيوسياسي الفريد وتأثير أي اضطراب إقليمي على أمنها القومي واستقرار المنطقة بأسرها.

الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية

في قلب المشهد الإقليمي، لعبت مصر دورًا لا غنى عنه في الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية، وخصوصًا مع التصعيد الذي شهدته المنطقة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023. فقد بادرت القاهرة بجهود مكثفة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح البري، الذي يعد الشريان الحيوي الوحيد للقطاع. عملت الدبلوماسية المصرية بلا كلل كوسيط رئيسي بين الأطراف المتنازعة، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية دائمة وتبادل الأسرى، وتخفيف المعاناة عن المدنيين الفلسطينيين. كما أكدت مصر مراراً على ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني، ورفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين، مشددة على أن الحل الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الصراع في السودان

لم يغب السودان الشقيق عن أولويات الدبلوماسية المصرية. منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، عملت مصر على عدة محاور. فقد استقبلت القاهرة آلاف اللاجئين السودانيين، وقدمت لهم الدعم الإنساني اللازم. وعلى الصعيد الدبلوماسي، دعت مصر الأطراف المتصارعة مراراً إلى وقف فوري لإطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات، مؤكدة على أهمية الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه. استضافت مصر العديد من المشاورات واللقاءات التي جمعت أطرافاً سودانية مختلفة، بهدف دفع مسار الحل السياسي الشامل الذي ينهي الأزمة ويعيد الاستقرار للبلاد.

الدور التاريخي والمبادئ الدبلوماسية

يستند الدور المصري الحالي في صناعة السلام إلى إرث طويل من الدبلوماسية البناءة ومجموعة من المبادئ الراسخة التي تشكل جوهر سياستها الخارجية. فمصر من الدول السباقة في تبني مبادئ عدم الانحياز، والدعوة إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، واحترام سيادة الدول، والالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية. هذه المبادئ لم تكن مجرد شعارات، بل ممارسات عملية تجسدت في تعامل مصر مع أزمات إقليمية سابقة، من قضايا العالم العربي إلى القارة الأفريقية. وتُعد هذه الثوابت الدبلوماسية أساساً لثقة المجتمع الدولي في الوساطة المصرية وقدرتها على تحقيق التوازن والمصداقية.

الأهمية الإقليمية والدولية

إن أهمية الدور المصري في صناعة وحفظ السلام تتجاوز حدودها الجغرافية. فمصر، بفضل موقعها الاستراتيجي عند ملتقى قارات ثلاث، وتأثيرها التاريخي والثقافي، تُعد لاعباً إقليمياً ودولياً لا غنى عنه. فاستقرار مصر يعني استقرار المنطقة ككل، وأي اضطراب فيها يمكن أن يمتد ليشمل دولاً أخرى. من هنا، فإن جهود القاهرة في التوسط لحل النزاعات تخدم مصالح أوسع نطاقاً، وتساهم في منع تفاقم الصراعات وتحولها إلى حروب أوسع نطاقاً قد تكون لها تداعيات عالمية. كما أن التزام مصر بتقديم المساعدات الإنسانية وتسهيل وصولها يعكس بعدها الأخلاقي في التعامل مع الأزمات، ويُعزز من مكانتها كشريك موثوق به في مواجهة التحديات الإنسانية.

تؤكد التطورات الأخيرة، والجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها مصر، على أن الدولة المصرية لم تفقد أبداً "فن صناعة السلام والمحافظة عليه". بل إنها تتطور وتتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية، لتبقى دائماً في طليعة الدول الساعية للسلام والاستقرار. إن التزام مصر بمبادئها، وقدرتها على التفاوض والتوفيق بين الأطراف المتنازعة، يجعلها حجر الزاوية في أي مسعى جاد نحو مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً للمنطقة والعالم.