جائزة نوبل للسلام: طموحات رئاسية لم تكتمل على مر التاريخ

تُعد جائزة نوبل للسلام، منذ انطلاقها في عام 1901، واحدة من أرفع الأوسمة العالمية وأكثرها إثارة للجدل في آن واحد. ففي حين يحتفي العالم سنوياً بالفائزين الذين قدموا إسهامات بارزة في تعزيز الأخوة بين الأمم، تبقى هناك قائمة أخرى لا تقل أهمية، وهي قائمة القادة والسياسيين الذين سعوا جاهدين لنيل هذا التكريم أو رُشحوا له مراراً، لكن الجائزة استعصت عليهم، تاركةً وراءها قصصاً من الطموحات السياسية التي لم تكتمل.

السعي السياسي نحو الجائزة المرموقة

بالنسبة للعديد من رؤساء الدول والزعماء السياسيين، لا تمثل جائزة نوبل للسلام مجرد تقدير رمزي، بل هي بمثابة تتويج لإرثهم السياسي على الساحة الدولية. وفي السنوات الأخيرة، برز اسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كأحد أبرز الأمثلة على هذا السعي. فقد تم ترشيحه للجائزة عدة مرات، كان أبرزها تقديراً لدوره في إبرام "اتفاقيات أبراهام"، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. رأى أنصاره في هذه الخطوة تحولاً تاريخياً في دبلوماسية الشرق الأوسط يستحق التكريم، إلا أن لجنة نوبل النرويجية كان لها رأي آخر، لينضم ترامب إلى قائمة طويلة من القادة الذين لم يحصلوا على الجائزة رغم ترشحهم.

عمالقة التاريخ الذين غابوا عن قائمة الفائزين

إن ظاهرة ترشيح قادة بارزين دون فوزهم ليست بالأمر الجديد، فالتاريخ مليء بشخصيات أيقونية كان يُعتقد أنها من أبرز المرشحين لنيل الجائزة، لكنها لم تفز بها قط. هذه الحالات تُظهر مدى تعقيد معايير الاختيار والطبيعة السياسية التي تحيط بالجائزة أحياناً.

المهاتما غاندي: يُعتبر غاندي، رمز المقاومة السلمية، أشهر شخصية لم تحصل على جائزة نوبل للسلام. رُشح خمس مرات بين عامي 1937 و1948، لكنه لم يفز بها أبداً. وقد أقرت لجنة نوبل لاحقاً بأن عدم منحه الجائزة كان بمثابة إغفال تاريخي كبير.
إليانور روزفلت: على الرغم من دورها المحوري كقوة دافعة وراء صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، لم تحصل السيدة الأولى الأمريكية السابقة على الجائزة، رغم أن إسهاماتها شكلت حجر زاوية في القانون الدولي الإنساني الحديث.
فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل: قاد هذان الزعيمان الحلفاء إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، ورُشح كلاهما لجائزة السلام. لم يفز روزفلت بها، بينما حصل تشرشل لاحقاً على جائزة نوبل في الأدب عام 1953، وليس في السلام، مما يعكس تقييم اللجنة الدقيق لطبيعة إسهامات كل شخصية.

آلية الترشيح والجدل الدائم

يكمن جزء من الجدل الدائر حول الجائزة في آلية الترشيح نفسها. فالحق في تقديم الترشيحات متاح لآلاف الأشخاص حول العالم، من بينهم أعضاء البرلمانات وأساتذة الجامعات والفائزون السابقون، مما يعني أن مجرد الترشح لا يعكس بالضرورة تأييداً من لجنة نوبل. وتظل قائمة المرشحين سرية لمدة 50 عاماً، مما يفتح الباب أمام التكهنات الإعلامية والسياسية كل عام. وتستند معايير الاختيار إلى وصية ألفريد نوبل التي حددت الجائزة لمن يعمل من أجل "الأخوة بين الأمم، وإلغاء الجيوش القائمة أو تخفيضها، وعقد مؤتمرات السلام وتعزيزها"، وهي معايير فضفاضة يمكن تفسيرها بطرق مختلفة حسب سياق العصر.

في النهاية، يبقى سباق الحصول على جائزة نوبل للسلام مرآة تعكس التحولات السياسية العالمية. وكما يخلّد التاريخ أسماء الفائزين، فإنه يسجل أيضاً قصص أولئك الذين طمحوا إليها ولم ينالوها، ليظل غيابهم عن قائمة التكريم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الجائزة نفسها.