روبوتات خارقة: ابتكار كوري بعضلات صناعية ترفع أوزاناً تفوق 4000 ضعف وزنها

في تطور علمي قد يُحدث نقلة نوعية في مجال الروبوتات الناعمة، كشف فريق بحثي من المعهد الوطني أولسان للعلوم والتكنولوجيا (UNIST) في كوريا الجنوبية، بتاريخ 4 أكتوبر 2023، عن ابتكار عضلة اصطناعية فريدة من نوعها. تتميز هذه العضلة بقدرتها الفائقة على حمل أوزان تزيد عن وزنها الخاص بـ 4000 مرة، مما يمثل سابقة في دمج القوة الهائلة مع المرونة التي لطالما كانت تحدياً أمام مصممي الروبوتات. يُتوقع أن يفتح هذا الإنجاز الباب أمام جيل جديد من الروبوتات القادرة على أداء مهام دقيقة وحساسة تتطلب ليونة، وفي الوقت نفسه تنفيذ أعمال شاقة تتطلب قوة ومتانة.

الخلفية وأهمية الابتكار

لطالما واجه مهندسو الروبوتات معضلة أساسية في تصميم الروبوتات: فإما أن تكون الروبوتات صلبة وقوية قادرة على حمل الأثقال والتعامل مع البيئات الصناعية القاسية، ولكنها تفتقر للمرونة والقدرة على التكيف مع المهام الدقيقة؛ وإما أن تكون ناعمة ومرنة تتفاعل بأمان مع البشر ويمكنها المناورة في المساحات الضيقة، لكنها تفتقر للقوة اللازمة لرفع الأوزان أو تطبيق قوى كبيرة. يسعى هذا الابتكار الكوري إلى تجاوز هذا التناقض بتقديم حل يجمع بين أفضل ما في العالمين.

تُعد الروبوتات الناعمة مجالاً واعداً، حيث تُصنع عادةً من مواد مرنة لتكون أكثر أماناً للتفاعل البشري وقادرة على التكيف مع الأشكال والبيئات المختلفة. ومع ذلك، فإن هذه المرونة تأتي على حساب القوة الميكانيكية، مما يحد من تطبيقاتها. يمثل تطوير عضلة اصطناعية يمكنها الانتقال بين حالة مرنة وأخرى صلبة ثورة في هذا الميدان، حيث يتيح للروبوتات الناعمة اكتساب قوة غير مسبوقة دون التضحية بمرونتها الأساسية. هذا التطور، الذي نُشرت تفاصيله في مجلة Science Robotics، يمهد الطريق لتطبيقات لم تكن ممكنة في السابق.

تفاصيل التقنية وآلية العمل

يرتكز الإنجاز على ما يُعرف بـ "العضلة الاصطناعية ذات الانتقال الطوري" (Phase-Transitioning Artificial Muscle - PTAM). تتكون هذه العضلة المبتكرة من أنبوب خفيف الوزن مصنوع من البوليمر ويحتوي بداخله على ملف مصنوع من سبيكة ذات ذاكرة شكلية (Shape-Memory Alloy - SMA). السبيكة ذات الذاكرة الشكلية هي مادة فريدة تتميز بقدرتها على العودة إلى شكلها الأصلي بعد تشوهها عند تسخينها أو تبريدها.

تعتمد آلية عمل العضلة على التغيرات الحرارية. عندما يتم تسخين ملف السبيكة ذات الذاكرة الشكلية، فإنه ينكمش ويتصلب، مما يؤدي إلى تصلب الأنبوب البوليمري بأكمله، ليتحول من حالة مرنة تشبه المطاط إلى حالة صلبة وقوية تشبه الفولاذ. في هذه الحالة الصلبة، يمكن للعضلة رفع أوزان هائلة بالنسبة لحجمها ووزنها المتواضع. وبمجرد تبريد الملف، تعود السبيكة إلى حالتها المرنة الأولية، فترتخي العضلة وتلين مرة أخرى، لتصبح قادرة على أداء حركات دقيقة ومرنة.

ما يميز هذا الابتكار هو سرعة الانتقال بين الحالتين وكفاءة استهلاك الطاقة. فالعملية لا تتطلب سوى كمية صغيرة نسبياً من الطاقة للتحكم في التصلب والتليين، مما يجعلها فعالة للاستخدام في الروبوتات. أظهرت الاختبارات أن العضلة الاصطناعية، التي تزن بضعة جرامات، يمكنها رفع أحمال تصل إلى عدة كيلوجرامات، مؤكدة قدرتها على تحقيق نسبة قوة إلى وزن غير مسبوقة تصل إلى 4000 ضعف.

التطبيقات المحتملة والتأثير المستقبلي

تتعدد مجالات تطبيق هذه العضلة الاصطناعية وتأثيرها واسع النطاق، فمن شأنها أن تحدث ثورة في العديد من الصناعات:

الروبوتات الصناعية: يمكن للروبوتات المزودة بهذه العضلات التعامل مع الأجسام الهشة بدقة ثم الانتقال لرفع المكونات الثقيلة في نفس المهمة، مما يزيد من كفاءة خطوط الإنتاج.
الأطراف الاصطناعية والأجهزة القابلة للارتداء: ستمكن الأطراف الصناعية والأجهزة الروبوتية المساعدة من توفير قوة كبيرة للمستخدمين عند الحاجة، مع الحفاظ على المرونة والراحة أثناء الأنشطة اليومية العادية.
الطب والرعاية الصحية: يمكن استخدامها في الأدوات الجراحية الروبوتية التي تحتاج إلى قوة اختراق معينة ثم إلى مرونة عالية للمناورة داخل الجسم.
الفضاء والطيران: تصميم روبوتات خفيفة الوزن وقوية يمكنها التعامل مع المهام المعقدة في بيئات الفضاء القاسية.
الروبوتات التعاونية (Cobots): ستكون الروبوتات أكثر أماناً للتفاعل المباشر مع البشر، حيث يمكنها أن تكون مرنة وغير مؤذية في معظم الأوقات، ولكنها قادرة على توفير القوة اللازمة عند الطلب.

يمثل هذا الابتكار الكوري خطوة جريئة نحو تحقيق رؤية الروبوتات المتعددة الوظائف التي تتكيف مع مختلف المتطلبات البيئية والمهمات. من خلال الجمع بين خصائص المواد الناعمة والمرنة مع القدرة على توليد قوى هائلة، يفتح هذا التطور آفاقاً جديدة لتصميم أنظمة روبوتية أكثر ذكاءً وكفاءة وتنوعاً، مما يعزز من دور الروبوتات في حياتنا اليومية والصناعية.