تجدد المطالبات الدولية بتسليم البشير للجنائية الدولية وتوسيع صلاحياتها في السودان

في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السودان، عادت قضية العدالة الدولية ومساءلة مرتكبي الجرائم إلى الواجهة بقوة. حيث دعت هيئات دولية بارزة، من بينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، السلطات السودانية إلى التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية وتسليم الرئيس السابق عمر البشير والمطلوبين الآخرين لمحاكمتهم على الجرائم المنسوبة إليهم في إقليم دارفور. وتمتد هذه الدعوات الآن لتشمل مطلبًا أوسع نطاقًا، وهو توسيع ولاية المحكمة لتغطي كافة أنحاء السودان في أعقاب النزاع الذي اندلع في أبريل 2023.

خلفية تاريخية لقضية البشير والجنائية الدولية

تعود جذور هذه القضية إلى النزاع الذي اندلع في إقليم دارفور غرب السودان عام 2003، والذي شهد ارتكاب فظائع واسعة النطاق. وبناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593 الصادر عام 2005، فُتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة في الإقليم. ونتيجة لذلك، أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عدد من كبار المسؤولين في النظام السوداني آنذاك، وعلى رأسهم عمر البشير، بتهم تشمل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومنذ الإطاحة به في عام 2019، ورغم الوعود التي قطعتها الحكومات الانتقالية، لم يتم تسليم البشير أو مساعديه، مثل أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، إلى لاهاي. وقد زاد الوضع تعقيدًا بعد اندلاع القتال الأخير، حيث تمكن عدد من هؤلاء المطلوبين من الفرار من السجون التي كانوا محتجزين فيها.

التطورات الأخيرة ومحور المطالب الجديدة

تأتي المطالبات المتجددة في سياق الحرب الدائرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتي أسفرت عن آلاف القتلى وملايين النازحين، إلى جانب تقارير موثقة عن جرائم حرب مروعة في الخرطوم ومناطق أخرى، وخاصة في دارفور. وترى المنظمات الحقوقية أن الإفلات من العقاب على جرائم الماضي قد شجع على ارتكاب المزيد من الفظائع في النزاع الحالي. لذلك، لم تعد الدعوات تقتصر على تسليم المتهمين في قضية دارفور القديمة فحسب، بل تطالب بتوسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل التحقيق في الجرائم التي تُرتكب حاليًا في جميع أنحاء البلاد. وهذا من شأنه أن يمنح المدعي العام للمحكمة، كريم خان، صلاحية قانونية لملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الحالية بغض النظر عن موقعها الجغرافي داخل السودان.

الأهمية والتحديات

تكمن أهمية هذه الدعوات في أنها تمثل ضغطًا دوليًا لكسر حلقة الإفلات من العقاب التي طال أمدها في السودان. ويعتقد الخبراء أن تحقيق العدالة للضحايا ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو أيضًا عنصر أساسي لتحقيق سلام مستدام ومنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل. ومع ذلك، تواجه هذه المطالب تحديات جسيمة، منها:

غياب سلطة مركزية: في ظل استمرار الحرب، لا توجد حكومة فاعلة ومستقرة يمكنها التعاون مع المحكمة وتسليم المطلوبين.
موقف الأطراف المتحاربة: يواجه كلا طرفي النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب، مما يجعل تعاونهما مع أي آلية عدالة دولية أمرًا مستبعدًا.
الوضع المجهول للمطلوبين: لا تزال أماكن وجود عمر البشير وعدد من كبار مساعديه غير مؤكدة بعد فرارهم من السجن.

على الرغم من هذه العقبات، فإن استمرار هذه المطالبات الدولية يبقي قضية المساءلة والعدالة حية على الساحة الدولية، ويشكل رسالة واضحة لجميع الأطراف بأن الجرائم الجسيمة المرتكبة لن تمر دون حساب.