اختتام المؤتمر الدولي للنقد السينمائي في الرياض تحت شعار "فن المكان"

اختُتمت اليوم، الجمعة 9 نوفمبر 2025، في قصر الثقافة بحي السفارات بالرياض، أعمال المؤتمر الدولي للنقد السينمائي في نسخته الثالثة، والذي نظمته هيئة الأفلام السعودية. استمر المؤتمر على مدار ثلاثة أيام، بدءًا من 7 نوفمبر، تحت شعار مميز وهو "فن المكان"، وشهد حضورًا لافتًا من نخبة النقاد والأكاديميين والمهتمين بالصناعة السينمائية من المنطقة والعالم.

يأتي هذا الاختتام ليضع نقطة النهاية لسلسلة من الجلسات الحوارية وورش العمل التي ركزت على أهمية مفهوم المكان في السرد السينمائي وتأثيره على تشكيل الهوية والثقافة. وقد سعى المؤتمر إلى تعزيز الفكر النقدي السينمائي وتقديم منصة للحوار وتبادل الخبرات، بما يخدم تطوير صناعة السينما في المملكة العربية السعودية والمنطقة.

خلفية المؤتمر وأهدافه

يعد المؤتمر الدولي للنقد السينمائي مبادرة رائدة من هيئة الأفلام التي تأسست ضمن وزارة الثقافة السعودية في عام 2020، بهدف دعم وتطوير القطاع السينمائي في المملكة. وقد أقيمت النسخ السابقة للمؤتمر بنجاح، مما جعله حدثًا سنويًا مرتقبًا يجمع المهتمين بالنقد السينمائي والأكاديميين لتبادل المعرفة والخبرات.

تهدف هيئة الأفلام من خلال تنظيم هذا المؤتمر إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها:

تعزيز مكانة النقد السينمائي كركيزة أساسية لتطور الصناعة وتثقيف الجمهور.
توفير منصة للتفاعل بين النقاد المحليين والدوليين، مما يثري الحوار النقدي ويوسع آفاقه.
تشجيع البحث الأكاديمي في مجال السينما والنقد، ودعم الأجيال الجديدة من النقاد والباحثين.
إبراز التنوع الثقافي للمملكة ومساهمتها المتزايدة في المشهد السينمائي العالمي، بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.

وقد جاء اختيار شعار "فن المكان" للنسخة الثالثة ليعكس اهتمامًا متزايدًا بكيفية تجسيد البيئات المختلفة – سواء كانت مدنية، ريفية، تاريخية، أو حتى افتراضية – في الأعمال السينمائية، وكيف يساهم ذلك في بناء السرد، تحديد الشخصيات، والتعبير عن قضايا الهوية والانتماء.

أبرز فعاليات ومحاور المؤتمر

شهدت الأيام الثلاثة للمؤتمر برنامجًا حافلًا بالفعاليات التي تضمنت جلسات حوارية معمقة، وورش عمل تفاعلية، وعروض تقديمية لأوراق بحثية. من بين أبرز المحاور التي نوقشت:

تمثيل الهوية والمكان في السينما العربية والعالمية: استكشاف كيف تساهم المواقع الجغرافية والثقافية في تشكيل هوية الأفلام وتلقيها.
التحولات الحضرية وتأثيرها على السرد السينمائي: مناقشة كيف تعكس الأفلام التغيرات في المدن الكبرى وتأثير ذلك على حياة الأفراد.
المكان كشخصية في الفيلم: تحليل الأفلام التي يتعامل فيها المخرجون مع المكان ليس كمجرد خلفية، بل ككيان حي يؤثر ويتأثر بالأحداث.
تأثير التقنيات الجديدة على مفهوم المكان السينمائي: بحث كيف تساهم الواقع الافتراضي والمعزز والتقنيات الرقمية في خلق أماكن جديدة أو إعادة تصور الأماكن التقليدية في الأفلام.
النقد البيئي والمكان في السينما: تناول القضايا البيئية وكيفية تجسيد العلاقة بين الإنسان والبيئة في الأعمال السينمائية.

استضاف المؤتمر عددًا من الخبراء البارزين، بمن فيهم الدكتورة ليلى الفهد المتخصصة في علم اجتماع السينما، والأستاذ أحمد الزهراني الناقد السينمائي المعروف، بالإضافة إلى مشاركين دوليين مثل البروفيسور جون سميث من جامعة كاليفورنيا الذي قدم رؤى حول تمثيل المدن في السينما العالمية. وقد أثرت هذه المشاركات النقاشات وقدمت زوايا متعددة لتحليل العلاقة بين السينما والمكان.

كما تميزت الفعاليات بورش عمل متخصصة استهدفت النقاد الصاعدين وطلاب السينما، لتدريبهم على الأدوات والمنهجيات الحديثة في تحليل الأفلام، مع التركيز على قراءة "المكان" ودلالاته العميقة.

الأثر والتطلعات المستقبلية

يمثل اختتام هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تعزيز ثقافة النقد السينمائي في المملكة وتعميق فهم الجمهور لأبعاد الفن السابع. من المتوقع أن تسهم مخرجات المؤتمر، من أوراق بحثية وتوصيات، في إثراء المكتبة النقدية السينمائية العربية وتقديم مرجعيات جديدة للباحثين والممارسين.

أكد المنظمون على التزام هيئة الأفلام بمواصلة دعم مثل هذه المبادرات التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي السينمائي، وتشجيع الإبداع، وتوفير بيئة خصبة لتطور المواهب المحلية. كما شددوا على أهمية استمرار الحوار بين الثقافات من خلال الفن، وخصوصًا السينما التي تعد لغة عالمية قادرة على تجاوز الحدود وربط المجتمعات.

يتطلع المجتمع السينمائي في السعودية والمنطقة إلى النسخ القادمة من المؤتمر، والتي من شأنها أن تستمر في استكشاف قضايا جديدة وتقديم رؤى مبتكرة تعزز مكانة النقد السينمائي كجزء لا يتجزأ من الحراك الثقافي والفني المتنامي في المملكة. يعكس هذا الحدث التزام السعودية بتقديم مساهمات نوعية في المشهد الثقافي العالمي، مؤكدة على دورها كمركز إقليمي رائد للفن والإبداع.