القضاء المصري ينهي جدلاً حول فيلم "الملحد" ويسمح بعرضه

في تطور قضائي مهم حسم سنوات من الجدل والتراشق، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر مؤخرًا قرارًا نهائيًا يسمح بعرض فيلم "الملحد" للجمهور، منهية بذلك معركة قانونية طويلة حول محتوى الفيلم وتأثيره المحتمل على القيم المجتمعية والدينية. هذا الحكم يمثل نقطة تحول بارزة في النقاش الدائر حول حدود حرية التعبير الفني في البلاد.

خلفية الفيلم والجدل

تدور أحداث فيلم "الملحد"، من إخراج محمد دياب (اسم افتراضي لأغراض المثال) وتأليف عمرو جمال (اسم افتراضي)، حول شخصيات مصرية تعيش صراعات داخلية تتعلق بالإيمان والشك والبحث عن المعنى في سياق مجتمعي يغلب عليه التدين. الفيلم لا يهدف إلى الترويج للإلحاد بشكل مباشر، بل يسعى إلى استكشاف التعقيدات النفسية والاجتماعية التي قد تدفع بعض الأفراد لطرح تساؤلات وجودية حول العقيدة، وكيفية تعامل المجتمع مع مثل هذه الظواهر. عند الانتهاء من إنتاجه، واجه الفيلم اعتراضات شديدة من قبل هيئات ومؤسسات دينية، بالإضافة إلى شخصيات عامة ومنظمات مجتمع مدني محافظة.

تركزت الاعتراضات بشكل أساسي حول خشية المعترضين من أن يؤدي عرض الفيلم إلى:

المساس بالثوابت الدينية: اعتبر البعض أن تناول موضوع الإلحاد، حتى لو كان من باب المعالجة الدرامية، يمثل مساسًا بالقيم الدينية الأصيلة في المجتمع المصري.
إثارة الفتن الطائفية: رأت بعض الجهات أن الفيلم قد يثير انقسامات مجتمعية ويحرض على عدم التسامح بين أصحاب الأفكار المختلفة.
انتهاك الآداب العامة: قيل إن بعض المشاهد أو الحوارات قد تتجاوز الحدود المقبولة في التعبير الفني وتتعارض مع الأخلاق العامة.

هذه الاعتراضات دفعت لجنة الرقابة على المصنفات الفنية إلى رفض منح الفيلم تصريح العرض في البداية، مما دفع صناع العمل إلى رفع دعوى قضائية للمطالبة بحقهم في عرض الفيلم، مؤكدين أن الفيلم عمل فني يعالج قضية اجتماعية وفكرية ولا يهدف إلى الإساءة لأي دين أو عقيدة.

مسار التقاضي والحكم النهائي

مرت قضية فيلم "الملحد" بمراحل قضائية متعددة ومعقدة، بدأت في العام الماضي (أو في وقت سابق) عندما قام محامون بتقديم طعون ضد قرار الرقابة برفض عرض الفيلم. نظرت المحكمة الإدارية أولًا في الدعوى، التي شهدت تقديم مذكرات دفاع ومرافعات مطولة من كلا الجانبين، حيث شدد محامو الفيلم على مبادئ الدستور المصري التي تكفل حرية الإبداع والتعبير، بينما ركز الجانب المعترض على ضرورة حماية الثوابت الدينية والقيم المجتمعية.

بعد جلسات متعددة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في الأيام الأخيرة، والذي قضى بإلغاء قرار لجنة الرقابة وسمح بعرض الفيلم. استند الحكم إلى عدة مبادئ قانونية ودستورية هامة، أبرزها:

حرية الإبداع الفني: أكدت المحكمة أن الدستور المصري يكفل حرية الإبداع الفني والثقافي، وأن الرقابة يجب أن تقتصر على حماية النظام العام والآداب دون المساس بجوهر الفن.
معالجة القضايا الشائكة: رأت المحكمة أن الفن له الحق في معالجة القضايا الاجتماعية والفكرية الشائكة، وأن مجرد تناول موضوع حساس لا يعني بالضرورة التحريض عليه أو الإساءة إليه.
عدم وجود تحريض مباشر: خلصت المحكمة إلى أن الفيلم، في سياقه الدرامي، لا يتضمن تحريضًا مباشرًا على الإلحاد أو إساءة متعمدة للأديان، بل يعكس صراعات إنسانية يمكن أن تحدث في أي مجتمع.

يعتبر هذا القرار سابقة قضائية قد تؤثر على القضايا المماثلة في المستقبل، حيث يضع إطارًا واضحًا للعلاقة بين الرقابة وحرية الإبداع الفني.

الأهمية والتداعيات المحتملة

يمثل قرار المحكمة الإدارية العليا السماح بعرض فيلم "الملحد" انتصارًا كبيرًا لمبدأ حرية التعبير الفني في مصر، ويُعد مؤشرًا على أن القضاء المصري يميل إلى حماية الإبداع طالما لم يتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالتحريض المباشر على العنف أو الكراهية. هذا الحكم يرسل رسالة قوية للمبدعين بأن هناك مساحة قانونية أكبر لاستكشاف الموضوعات الحساسة.

من المتوقع أن يثير عرض الفيلم نقاشات مجتمعية واسعة، حيث سيلقى ترحيبًا من الأوساط الفنية والثقافية والليبرالية التي ترى فيه خطوة إيجابية نحو تعزيز الحريات، بينما قد يثير قلقًا أو انتقادات من قبل التيار المحافظ والجهات الدينية التي قد تعتبره انتهاكًا للقيم. ومع ذلك، فإن الحكم القضائي يلزم الجميع باحترامه، ممهدًا الطريق أمام عرض الفيلم في دور السينما أو عبر المنصات الرقمية قريبًا.

قد يشجع هذا الحكم أيضًا صناع الأفلام الآخرين على تناول قضايا أكثر جرأة وعمقًا، مما قد يؤدي إلى إثراء المشهد الثقافي والفني في مصر. في الوقت نفسه، من الضروري أن يراعي صناع المحتوى الحساسية المجتمعية وأن يقدموا أعمالهم برؤية فنية تحترم التنوع وتساهم في حوار بناء بدلًا من الاستفزاز غير المبرر. يبرز هذا القرار مجددًا أهمية دور القضاء في الموازنة بين الحقوق والحريات الفردية والاعتبارات المجتمعية.