شهدت العاصمة الفرنسية باريس في مارس 2021 حدثًا فنيًا بارزًا هز الأوساط الفنية العالمية، تمثل في الكشف عن إحدى أندر لوحات الفنان الهولندي الشهير فنسنت فان جوخ من فترته الباريسية، والتي قدرت قيمتها الأولية بنحو 40 مليون دولار أمريكي. هذه اللوحة، التي ظلت مخفية عن الأنظار لأكثر من قرن، تقدم نافذة فريدة على تطور فان جوخ الفني خلال فترة حاسمة من حياته، وتعكس الاهتمام المتزايد بأعماله النادرة.

تعد هذه اللوحة جزءًا من سلسلة أعمال فنية أنجزها فان جوخ خلال إقامته في باريس بين عامي 1886 و1888. هذه الفترة كانت محورية في مسيرته الفنية، حيث انتقل من الألوان الداكنة والواقعية التي ميزت أعماله المبكرة في هولندا، إلى لوحة ألوان أكثر إشراقًا وتأثرًا بأساليب الانطباعيين والمناظر الطبيعية التي شاهدها في المدينة. خلال هذه السنوات، أقام فان جوخ مع شقيقه ثيو في مونمارتر، وهي منطقة كانت تعج بالحياة الفنية والاجتماعية آنذاك. وقد سمح له ذلك بالتعرف على فنانين مثل بول غوغان وهنري دو تولوز لوترك، والتأثر بتجاربهم الفنية، مما ساهم في تشكيل أسلوبه المميز الذي نعرفه اليوم. تعد أعمال هذه الفترة نادرة نسبيًا، مما يجعل كل اكتشاف جديد ذو قيمة استثنائية.

رحلة اللوحة المخفية إلى الأضواء

اللوحة المعنية، والمعروفة باسم «مشهد شارع في مونمارتر» (Scène de rue à Montmartre)، تصور طاحونة مولان دو لا غاليت الشهيرة في الحي، مع شخصيات تتجول في الشارع. ما يميز هذه اللوحة هو أنها ظلت في مجموعة خاصة لأكثر من 100 عام، ولم تعرض علنًا إلا مرات قليلة جدًا، مما جعلها بمثابة كنز فني مخفي. لقد ورثت اللوحة عبر الأجيال في نفس العائلة الفرنسية، دون أن تدرك الأجيال المتعاقبة بالكامل القيمة الفنية والتاريخية الجسيمة لهذا العمل.

في بداية عام 2021، قررت العائلة عرض اللوحة للبيع في مزاد علني، مما أثار ضجة كبيرة في عالم الفن. وقد تولت دار المزادات العالمية سوثبيز (Sotheby's) في باريس مهمة بيع اللوحة، مع إيلاء اهتمام خاص لتوثيق تاريخها وخلفيتها الفنية. تزامنت عملية الكشف عن اللوحة وتقدير قيمتها الأولية بنحو 40 مليون دولار مع حملة ترويجية واسعة، مما سلط الضوء على ندرة العمل الفني وقيمته التاريخية الكبيرة.

المزاد والاهتمام العالمي

أقيم المزاد على لوحة فان جوخ الأغلى عبر الإنترنت في مارس 2021، وشهد تنافسًا محتدمًا بين هواة جمع التحف والمؤسسات الفنية من جميع أنحاء العالم. كانت التوقعات عالية جدًا، ليس فقط بسبب اسم فان جوخ ولكن أيضًا بسبب الحالة الممتازة للوحة وتاريخها الفريد الذي يعود لأكثر من قرن في حوزة خاصة. هذا الاهتمام العالمي يعكس المكانة الأيقونية لفان جوخ كأحد أعظم فناني التاريخ، وقدرة أعماله على إلهام وإثارة الجمهور حتى يومنا هذا.

بالرغم من التكهنات الأولية حول وصول قيمتها إلى 40 مليون دولار، والتي تعكس قيمتها الفنية وندرتها، فقد استقرت اللوحة في نهاية المطاف على سعر بيع تجاوز الـ 16 مليون دولار (شاملة رسوم المشتري)، وهو سعر يعكس بلا شك قيمتها الاستثنائية كعمل فني مهم من فترة باريسية لفان جوخ. وقد مثل هذا البيع لحظة تاريخية في سوق الفن، مؤكدًا على الطلب المتزايد على أعمال فنانين العيار الثقيل وعلى أهمية القطع التي تظهر للعلن بعد فترة طويلة من الاختفاء.

الأهمية الفنية والثقافية

تبرز قصة هذه اللوحة، التي تقدر قيمتها الأولية بنحو 40 مليون دولار، عدة جوانب مهمة:

التأريخ الفني: تقدم اللوحة رؤى جديدة حول تطور أسلوب فان جوخ وتأثير البيئة الباريسية عليه، حيث شهدت تحولًا جذريًا في استخدامه للألوان والتقنيات.
الندرة والقيمة: تؤكد ندرة أعمال فان جوخ من فترة باريس على قيمتها السوقية والثقافية العالية، وتجعل كل اكتشاف جديد حدثًا استثنائيًا.
التراث الثقافي: تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الأعمال الفنية التي تظل مخفية في المجموعات الخاصة، وإمكانية ظهورها لتثري التراث الثقافي العالمي.
سوق الفن: تظهر أن الطلب على أعمال الفن العظيم لا يزال قويًا، وأن هناك تقديرًا كبيرًا للقصص التي تكمن وراء هذه الأعمال.

ختامًا، فإن الكشف عن لوحة فان جوخ في باريس وبيعت بأحد المزايدات الأعلى سعرًا بعد أن قدرت قيمتها بـ 40 مليون دولار، يمثل أكثر من مجرد صفقة تجارية؛ إنه فصل جديد في تقدير أعمال فنان أثرى العالم بجمالية فريدة وعمق عاطفي لا يزال يتردد صداه في قلوب محبي الفن.