شراكة استراتيجية: لوكهيد مارتن والإمارات تعززان نقل التكنولوجيا وتنمية الكوادر الوطنية

في تطور يعكس عمق العلاقات بين عملاق الدفاع العالمي لوكهيد مارتن ودولة الإمارات العربية المتحدة، تستعد الشراكة بين الكيانين للدخول في مرحلة جديدة ومحورية من التطور. هذا ما أكده الجنرال جون نيكولسون، الرئيس التنفيذي لشركة «لوكهيد مارتن» في الشرق الأوسط، مشددًا على أن التعاون يتجاوز الصفقات التجارية ليشمل أبعادًا استراتيجية أوسع تتمحور حول نقل المعرفة التكنولوجية المتقدمة وتطوير الكفاءات الوطنية. تأتي هذه التصريحات، التي أفادت بها مصادر مطلعة في أواخر أكتوبر 2023، لتسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للشراكة الثنائية في تحقيق أهداف الإمارات التنموية على المدى الطويل، خاصة في قطاعات الصناعات الدفاعية والفضائية ذات التقنية العالية.

خلفية الشراكة طويلة الأمد

تمتد العلاقة الاستراتيجية بين لوكهيد مارتن والإمارات لعقود، حيث كانت الشركة الأمريكية شريكًا أساسيًا في تزويد القوات المسلحة الإماراتية بأحدث الأنظمة الدفاعية والتقنيات المتطورة. بدأت هذه الشراكة في الأساس بتوريد المعدات والأنظمة المتطورة، لكنها تطورت تدريجيًا لتشمل مجالات أوسع من الدعم اللوجستي والصيانة. لطالما سعت الإمارات إلى بناء قدراتها الدفاعية الذاتية، وتحقيق الاكتفاء في هذا المجال الحيوي، مما دفعها للبحث عن شركاء استراتيجيين يلتزمون ليس فقط بالبيع، بل أيضًا بالمساهمة في بناء بنية تحتية صناعية وتكنولوجية محلية قوية. وقد رسخت السنوات الماضية أسس هذه الثقة المتبادلة والتعاون المثمر، مما مهد الطريق للمرحلة الحالية من الشراكة المعمقة التي تركز على التوطين ونقل المعرفة.

محاور التعاون الرئيسية: نقل التكنولوجيا

يُعد نقل التكنولوجيا أحد الركائز الأساسية التي تستند إليها الشراكة بين لوكهيد مارتن والإمارات، وهو أمر حيوي لتحقيق رؤية الإمارات في التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار والتنوع الاقتصادي. يتضمن هذا المحور جهودًا مكثفة لنقل الخبرات والمعارف الفنية المتقدمة إلى الكوادر والمؤسسات الإماراتية، بهدف تعزيز قدرتها على تطوير وتصنيع وصيانة الأنظمة المعقدة محليًا.

تشمل مجالات نقل التكنولوجيا قطاعات بالغة الأهمية مثل هندسة الطيران والفضاء، وتطوير الأنظمة الدفاعية المتقدمة، والأمن السيبراني، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المنظومات العسكرية.
يتم ذلك من خلال آليات متعددة، بما في ذلك إقامة مشاريع مشتركة، وإنشاء مراكز للبحث والتطوير محليًا، وتوطين بعض خطوط الإنتاج أو عمليات الصيانة والإصلاح والعمرة (MRO) داخل الدولة.
يهدف هذا التوجه إلى بناء قاعدة صناعية محلية قادرة على تلبية الاحتياجات الدفاعية للدولة، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة للابتكار الصناعي في الإمارات، بما يتماشى مع استراتيجيات التنمية الصناعية المتقدمة.

تنمية الكوادر الوطنية وتمكين المواهب الإماراتية

إلى جانب نقل التكنولوجيا، تولي الشراكة أهمية قصوى لتنمية رأس المال البشري الإماراتي. تدرك القيادة الإماراتية أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي لتحقيق التنمية المستدامة دون وجود كوادر وطنية مؤهلة وقادرة على استيعابها وتطويرها وتشغيلها. لذا، تركز الشراكة على تأهيل جيل جديد من المهندسين والفنيين والخبراء الإماراتيين في المجالات ذات الصلة.

تتضمن هذه الجهود إطلاق برامج تدريب متخصصة، وتقديم منح دراسية في أرقى الجامعات العالمية، وتوفير فرص تدريب عملي مكثفة داخل منشآت لوكهيد مارتن وشركائها، مع التركيز بشكل خاص على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
تهدف هذه المبادرات إلى إعداد جيل من الكفاءات الإماراتية القادرة على قيادة الابتكار والتطوير في قطاعات الصناعات الدفاعية والفضائية، والمساهمة بفاعلية في بناء اقتصاد المعرفة والتنوع الاقتصادي.
يُعد هذا الاستثمار في المواهب الوطنية ضمانًا لمستقبل مشرق، حيث يضمن توفر الخبرات المحلية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتفوق التكنولوجي في القطاعات الاستراتيجية الحيوية، وتعزيز القدرة التنافسية للدولة على الصعيد العالمي.

المرحلة الجديدة وآفاق المستقبل

يشير إعلان الجنرال نيكولسون عن "مرحلة جديدة" إلى تحول استراتيجي في طبيعة التعاون. من المتوقع أن تشهد هذه المرحلة تعميقًا للعلاقات القائمة وتوسعًا في نطاقها ليشمل مجالات تكنولوجية أكثر تطورًا وتعقيدًا، فضلاً عن زيادة نسبة المحتوى المحلي في المشاريع المشتركة، بما يعكس التزامًا أعمق بالتوطين.

قد تتضمن آفاق النمو المستقبلية التركيز على تقنيات الفضاء المتقدمة، مثل الأقمار الاصطناعية وتطبيقات الاستشعار عن بعد، بالإضافة إلى تطوير أنظمة دفاعية ذكية ومتكاملة تعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
ستجني لوكهيد مارتن من هذه الشراكة تعزيزًا لوجودها في سوق إقليمي حيوي ومتنامٍ، وتأكيدًا لدورها كشريك موثوق، بينما تحقق الإمارات أهدافها الطموحة في الاستقلال التكنولوجي والصناعي، وتوطين التقنيات المتقدمة.
تُعد هذه الشراكة نموذجًا للتعاون الدولي الذي لا يقتصر على الجوانب التجارية أو الدفاعية فحسب، بل يمتد ليشمل بناء القدرات البشرية والتقنية لدولة تسعى بخطى ثابتة نحو مستقبل مستدام ومبتكر، يدعمه الابتكار والتكنولوجيا.

الأهمية الاستراتيجية للشراكة

تُشكل الشراكة بين لوكهيد مارتن والإمارات حجر الزاوية في استراتيجية الإمارات الرامية إلى تحقيق الأمن القومي الشامل والتنمية الاقتصادية المستدامة. إنها ليست مجرد اتفاقيات لشراء وبيع المعدات، بل هي التزام طويل الأمد ببناء قدرات وطنية عميقة ومستدامة تمكن الدولة من الاعتماد على ذاتها في القطاعات الحيوية.

بالنسبة للإمارات: تعزز الشراكة مكانة الدولة كمركز إقليمي للصناعات المتقدمة والتقنيات الحديثة، وتساهم في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وتخلق فرص عمل نوعية ومستدامة للمواطنين، وتضمن امتلاك قدرات دفاعية حديثة وفعالة تتوافق مع التحديات الأمنية المعاصرة.
بالنسبة للوكهيد مارتن: تضمن الشركة حضورًا قويًا ومستمرًا في سوق استراتيجي وواعد، وتُمكنها من استكشاف فرص جديدة للابتكار والتعاون في بيئة داعمة للتكنولوجيا والتطوير المستمر.
على المستوى الأوسع، تُرسخ هذه الشراكة نموذجًا للتعاون الثنائي الذي يعود بالنفع على الطرفين، ويسهم في الاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز القدرات الدفاعية لدولة محورية في المنطقة، مع دعم مساعيها نحو التنمية المستدامة القائمة على الابتكار والتكنولوجيا.