محمد الباز يرفض اتهامات المثقفين لزوار الموالد: "المصريون لا يعبدون الأولياء"

مؤخرًا، انتقد الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة "الدستور" المصرية، بشدة الهجوم الذي شنه بعض المثقفين وعدد من المنصات الإعلامية على الموالد الشعبية وزوارها. جاء هذا الانتقاد بعد الدهشة التي أبداها هؤلاء المثقفون من مشاركة أعداد غفيرة، قُدرت بمليون شخص، في مولد السيد أحمد البدوي، مما دفعهم لتوجيه اتهامات مختلفة لمرتادي هذه الاحتفالات. أكد الباز في تصريحاته أن المصريين لا يعبدون الأولياء، مشددًا على أن زيارة الموالد هي تعبير عن المحبة والارتباط بالتراث الثقافي والديني، وليست شركًا بالله كما يصورها البعض.

خلفية الموالد في مصر

تُعد الموالد الشعبية جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي والاجتماعي في مصر على مر العصور. وهي احتفالات سنوية تُقام بمناسبة ذكرى ميلاد أحد الأولياء الصالحين أو الشخصيات الدينية التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب المصريين. لا تقتصر هذه الموالد على البعد الديني فحسب، بل تمثل أيضًا مناسبات اجتماعية وتجارية هامة، حيث يجتمع الناس من مختلف المحافظات للتبادل التجاري والترفيه والاحتفال، وتتضمن طقوسًا مثل زيارة أضرحة الأولياء، وحلقات الذكر، والإنشاد الديني، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية والتجارية المتنوعة.

من أبرز هذه الموالد، مولد السيد أحمد البدوي في طنطا، ومولد السيدة زينب في القاهرة، ومولد أبو الحسن الشاذلي في الصحراء الشرقية. هذه الاحتفالات تعكس عمق التدين الشعبي المصري وارتباطه بشخصيات تاريخية ودينية تُعتقد أن لها مكانة خاصة عند الله. تاريخيًا، كانت الموالد محط جدل بين تيارات فكرية ودينية مختلفة، حيث يرى البعض أنها ممارسات متوارثة تعزز الروابط المجتمعية وتعبّر عن شكل من أشكال التدين، بينما ينتقدها آخرون بدعوى أنها تحمل شبهة الشرك أو الخروج عن جوهر التوحيد الإسلامي.

جدل المشاركة في مولد السيد البدوي

شهدت الموالد مؤخرًا، وخاصة مولد السيد أحمد البدوي، إقبالًا جماهيريًا كبيرًا فاق التوقعات، حيث تحدثت التقديرات عن مشاركة حوالي مليون شخص في فعاليات المولد. هذا الحضور الكثيف أثار حفيظة شريحة من المثقفين وبعض وسائل الإعلام، الذين سارعوا إلى توجيه اتهامات لزوار الموالد بأنهم يمارسون الشرك أو البدع الدينية، وأنهم يتجهون بعباداتهم إلى الأولياء بدلاً من الله. وصفت هذه الانتقادات أحيانًا هذه الممارسات بالجهل أو التخلف، داعية إلى "تنقية" التدين الشعبي مما تراه شوائب.

لم تكن هذه الانتقادات مجرد آراء فردية، بل امتدت لتظهر على منصات إعلامية مختلفة، مما خلق حالة من الجدل الواسع في الشارع المصري وحول طبيعة العلاقة بين التدين الشعبي والتفسيرات الرسمية أو النخبوية للدين. هذه النقاشات غالبًا ما تتجاهل السياق الثقافي والاجتماعي العميق الذي تنبع منه هذه الممارسات، وتركز بشكل حصري على الجانب الفقهي أو العقائدي من منظور معين.

دفاع الباز عن الهوية المصرية

في مواجهة هذه الانتقادات، برز صوت الدكتور محمد الباز مدافعًا عن زوار الموالد وعن الهوية الدينية والثقافية للمصريين. صب الباز جام غضبه على المثقفين الذين يهاجمون هذه الممارسات دون فهم لجوهرها، مؤكدًا أن زيارة الأضرحة والمشاركة في الموالد هي تعبير عن المحبة والتقدير للأولياء الصالحين الذين يعتبرون قدوة ومثالًا يحتذى به، وليست بأي حال من الأحوال "عبادة" لهم. وشدد على أن عقيدة التوحيد راسخة في وجدان المصريين ولا يمكن التشكيك فيها بمجرد مشاهدة احتفالات شعبية.

وأوضح الباز أن الخلط بين المحبة والعبادة هو مغالطة يقع فيها من لا يدرك طبيعة التدين الشعبي المصري. فالمصريون، في عمقهم، يؤمنون بالله واحد أحد، وأن أي تقرب للأولياء هو استشفاع وتبرك لا يصل إلى حد الشرك. كما أشار إلى أن هذه الهجمات تعكس انفصالًا بين النخبة المثقفة وعموم الشعب، وعدم فهمها للثقافة الشعبية الغنية والمتجذرة. ودعا المثقفين إلى فهم السياقات التاريخية والاجتماعية لهذه الممارسات بدلاً من إصدار أحكام متعالية لا تستند إلى فهم حقيقي للواقع.

تداعيات الجدل وتأثيره

يُسلّط هذا الجدل الضوء على قضية أوسع تتعلق بالصراع المستمر بين النخب الفكرية والثقافة الشعبية في مصر. فبينما تسعى بعض النخب إلى "تحديث" المجتمع و"ترشيد" الممارسات الدينية من وجهة نظر معينة، يتمسك قطاع عريض من الشعب بتقاليده وعاداته التي يراها جزءًا لا يتجزأ من هويته الدينية والثقافية. يثير هذا النقاش تساؤلات حول تعريف التدين الصحيح، وحدود التعبير الديني، ودور المثقف في المجتمع.

كما يعكس النقاش أهمية فهم التعددية في أشكال التدين داخل المجتمع الواحد، وكيف يمكن أن تتواجد أبعاد روحية واجتماعية وثقافية في آن واحد ضمن ممارسة دينية معينة. إن تصريحات الدكتور الباز تأتي في سياق هذا الجدل، مؤكدة على ضرورة احترام الممارسات الشعبية وتفسيرها ضمن سياقها التاريخي والثقافي، بعيدًا عن الأحكام المتسرعة أو الاتهامات التي قد تزيد من الفجوة بين فئات المجتمع المختلفة.