محمد فوزي وهدى سلطان: الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء رفضه دخولها عالم الفن في ذكرى رحيله

مع حلول يوم الاثنين الموافق 20 أكتوبر، تتجدد ذكرى رحيل الفنان المصري الكبير محمد فوزي، الذي لا تزال بصماته الفنية حاضرة بقوة في الوجدان العربي كقامة موسيقية وتمثيلية وإنتاجية فريدة. وفي خضم الاحتفاء بمسيرته الحافلة، تطفو على السطح مجددًا قصة خلافه الأول مع شقيقته الصغرى، الفنانة الكبيرة هدى سلطان، حول رغبتها في دخول عالم الفن، وهو الخلاف الذي عكس أبعادًا إنسانية واجتماعية عميقة تتجاوز مجرد الاعتراض الأخوي.

خلفية تاريخية: قامات الفن والعائلة

كان محمد فوزي، المولود في قرية كفر أبو جندي بمحافظة الغربية عام 1918، قد رسخ مكانته كواحد من أبرز رواد التجديد في الموسيقى العربية والسينما المصرية. امتلك صوتًا عذبًا وروحًا مرحة، وجمع بين الغناء والتلحين والتمثيل والإنتاج، مقدمًا عشرات الأعمال الخالدة التي أثرت المكتبة الفنية. في المقابل، كانت شقيقته الأصغر، بهيجة عبد السلام عبد العال الحوي (هدى سلطان لاحقًا)، تحمل في جعبتها طموحًا فنيًا لا يقل شغفًا، ورغم أنها ولدت في كنف عائلة محافظة، إلا أن موهبتها الفطرية كانت تشق طريقها نحو التعبير.

نشأت هدى سلطان في ذات البيئة التي صقلت موهبة أخيها، لكن طريقها إلى الشهرة لم يكن معبدًا بالورود، خاصة في بداياته. فكان عليها أن تواجه اعتراضًا قويًا من محمد فوزي نفسه، وهو ما أثار دهشة الكثيرين نظرًا لأنه كان جزءًا لا يتجزأ من هذا الوسط الفني المزدهر.

أسباب المعارضة الأولية: دوافع الحماية والخشية

تُشير العديد من الروايات والسير الذاتية إلى أن رفض محمد فوزي لدخول شقيقته عالم الفن لم ينبع من تقليل لقدراتها أو موهبتها، بل كان نابعًا من مزيج من الدوافع العائلية والاجتماعية والشخصية، أبرزها:

الحماية الأخوية: كأخ أكبر، كان فوزي يشعر بمسؤولية كبيرة تجاه شقيقته. الوسط الفني في تلك الفترة، وعلى الرغم من بريقه، كان يُنظر إليه على أنه مجال مليء بالتحديات والصعوبات، وقد يتعرض فيه الفنانون، خاصة النساء، للكثير من الضغوط والشائعات والنقد الاجتماعي القاسي. رغبته كانت حمايتها من هذه الأجواء.
الخشية على السمعة: كانت العائلات المصرية، حتى تلك التي أنجبت فنانين، تولي أهمية كبرى للسمعة والمكانة الاجتماعية. دخول امرأة شابة عالم التمثيل والغناء كان يمكن أن يثير بعض التحفظات أو يضع العائلة تحت مجهر النقد الاجتماعي، وهو ما حاول محمد فوزي تجنبه لحفظ مكانة العائلة التي عمل جاهدًا على رفعها.
تفضيله لمسار آخر: يُعتقد أن فوزي كان يأمل في أن تسلك هدى سلطان مسارًا حياتيًا أكثر تقليدية، ربما يتعلق بالزواج وتكوين أسرة بعيدًا عن أضواء وشهرة الفن وتقلباته التي اختبرها بنفسه.
معرفته بصعوبات المهنة: كفنان مخضرم، أدرك محمد فوزي جيدًا مدى الجهد والتضحية المطلوبين لتحقيق النجاح والاستمرارية في هذا المجال. ربما كان يرى أن الطريق سيكون شاقًا للغاية على شقيقته، وأراد أن يوفر عليها هذا العناء.

رحلة الإصرار والنجاح: كيف تحققت المعادلة

على الرغم من معارضة أخيها، إلا أن الإرادة الفنية لـ هدى سلطان كانت أقوى. فبشغف لا يلين وإصرار لم يتزعزع، قررت هدى أن تمضي قدمًا في تحقيق حلمها. يُقال إنها استعانت بشخصيات أخرى نافذة في الوسط الفني، مثل زكريا أحمد، لدعمها في مساعيها الأولى. وبدأت مشوارها الفني الذي أثبتت فيه بسرعة فائقة موهبتها الاستثنائية كصوت غنائي قوي وممثلة درامية قادرة على تجسيد أدوار معقدة.

مع توالي نجاحاتها وإثباتها لجدارتها، تحول موقف محمد فوزي تدريجيًا من الرفض إلى الفخر والدعم المطلق. لم يقتصر دعمه على التشجيع المعنوي فحسب، بل امتد ليقدم لها لحن أغنية "يا ضاربين الودع" التي حققت نجاحًا مدويًا، مؤكدًا بذلك قبولًا كاملًا لمسيرتها الفنية واعترافًا بموهبتها الفريدة. أصبحت علاقتهما مثالًا للترابط الأخوي الذي يتخطى الخلافات الأولية، ليتحد في النهاية حول الفن والنجاح المشترك.

أهمية القصة: دروس من مسيرة نجمين

تظل قصة معارضة محمد فوزي لدخول هدى سلطان عالم الفن، ثم تحوله لدعمها، تحمل في طياتها عدة دروس وعبر:

الإنسانية خلف الأضواء: تكشف القصة عن الجانب الإنساني للفنانين الكبار، بعيدًا عن بريق الشهرة، حيث تتشابك مشاعر الحماية الأخوية مع الطموح الشخصي والتحديات الاجتماعية.
تغير النظرة المجتمعية: تعكس هذه الحكاية جزءًا من التحولات التي مرت بها المجتمعات العربية فيما يتعلق بنظرتها لعمل المرأة في الفن، وكيف أن المثابرة والموهبة يمكن أن تُغير المفاهيم.
قوة الإرادة الفنية: تُظهر قصة هدى سلطان قوة الإصرار على تحقيق الحلم الفني، وكيف أن الموهبة الحقيقية لا يمكن أن تُحجب طويلًا.
الإرث المشترك: يبرز هذا الجدل الأولي، وكيف تم تسويته في النهاية، عمق العلاقة بين شقيقين أثريا الفن العربي بمساهمات لا تُنسى، ليصبحا جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الفنية للمنطقة.

في ذكرى رحيل محمد فوزي، لا تزال هذه القصة تُلهم الأجيال الجديدة، مذكرة بأن طريق النجاح قد يحمل في طياته تحديات شخصية وعائلية، لكن الشغف الحقيقي والموهبة الصادقة كفيلان بفتح الأبواب وتحويل الرفض إلى دعم، والخلاف إلى فخر.