الطيران المدني في السودان: مطار بورتسودان شريان حياة مهدد وسط اتساع الصراع

في ظل استمرار النزاع المسلح الذي اندلع في السودان منذ منتصف أبريل 2023، تحول قطاع الطيران المدني إلى ساحة تعكس الانقسام العميق والدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد. وفيما لا يزال مطار الخرطوم الدولي، الذي كان يومًا البوابة الجوية الرئيسية، خارج الخدمة بالكامل بسبب موقعه في قلب المعارك، برز مطار بورتسودان الدولي كشريان حياة حيوي ومحفوف بالمخاطر، حيث يعمل كمنفذ جوي شبه وحيد للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا.

خلفية الصراع وتأثيره على الطيران

اندلعت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، وكانت العاصمة الخرطوم مسرحها الرئيسي. تعرض مطار الخرطوم الدولي لأضرار جسيمة منذ الساعات الأولى للقتال، حيث دُمرت طائرات مدنية على أرضه وأصبحت مرافقه ومدرجاته غير صالحة للاستخدام. هذا الإغلاق القسري لم يعزل العاصمة فحسب، بل شل حركة الطيران في معظم أنحاء البلاد، مما أدى إلى أزمة إنسانية واقتصادية خانقة.

مطار بورتسودان: نافذة السودان على العالم

مع انتقال الحكومة السودانية إلى مدينة بورتسودان الساحلية، اكتسب مطارها أهمية استراتيجية قصوى. وبحلول منتصف أغسطس 2023، أعلنت سلطة الطيران المدني السودانية عن إعادة فتح المجال الجوي في القطاع الشرقي من البلاد، مما سمح لمطار بورتسودان باستئناف الرحلات الجوية بشكل محدود. تولى المطار مهام حيوية، حيث أصبح النقطة المحورية لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية، وإجلاء الرعايا الأجانب والسودانيين العالقين، وتسيير عدد محدود من الرحلات التجارية عبر شركات طيران محلية وإقليمية قليلة. ويعمل المطار في ظل ظروف استثنائية، محاولًا الحفاظ على الحد الأدنى من الاتصال الجوي للسودان مع العالم الخارجي.

التحديات الأمنية والتطورات الأخيرة

على الرغم من أن بورتسودان كانت تعتبر منطقة آمنة نسبيًا في بداية النزاع، إلا أن توسع نطاق عمليات قوات الدعم السريع وتقدمها في ولايات مثل الجزيرة، وضع المطار والمدينة بأكملها تحت تهديد محتمل. تشير التطورات الميدانية الأخيرة إلى اقتراب خطوط المواجهة من شرق السودان، مما يثير مخاوف جدية بشأن استمرارية وسلامة العمليات الجوية. أي هجوم أو تهديد مباشر للمدينة قد يؤدي إلى إغلاق هذا الشريان الجوي الحيوي، مما سيفاقم من عزلة البلاد ويعقد وصول المساعدات الإنسانية بشكل كارثي. الوضع الأمني الهش يجعل كل رحلة تقلع أو تهبط في المطار محفوفة بالمخاطر.

الأهمية الإنسانية والاقتصادية

تتجاوز أهمية مطار بورتسودان مجرد كونه منشأة للنقل؛ فهو يمثل أداة حاسمة في مواجهة الأزمة المتفاقمة. يمكن تلخيص أدواره الرئيسية في النقاط التالية:

منفذ إنساني: يعتبر القناة الأساسية لوصول الإمدادات الطبية والغذائية التي تقدمها المنظمات الدولية لملايين المتضررين من الحرب.
ممر للمدنيين: يوفر وسيلة نادرة للسودانيين للفرار من مناطق القتال بحثًا عن الأمان في الخارج أو لتلقي العلاج الطبي العاجل.
مركز دبلوماسي: يستقبل الوفود السياسية والدبلوماسية ومسؤولي الأمم المتحدة، مما يبقي على قناة تواصل مع المجتمع الدولي.
دعم اقتصادي محدود: يسمح باستمرار بعض الأنشطة التجارية الضرورية واستيراد السلع الأساسية التي لا يمكن نقلها برًا أو بحرًا بسهولة.

في الختام، يمثل استمرار تشغيل مطار بورتسودان بصيص أمل ورمزًا لصمود مؤسسات الدولة في وجه الصراع، ولكنه في الوقت ذاته يعكس مدى هشاشة الوضع في السودان. مستقبله، ومستقبل الملايين الذين يعتمدون عليه، يبقى مرهونًا بشكل مباشر بمسار الحرب وتطوراتها على الأرض.