معرض "ديفا" في بيروت يحتفي بأيقونات الفن العربي من أم كلثوم إلى داليدا

افتُتح مؤخراً في متحف سرسق العريق ببيروت معرض "ديفا.. من أم كلثوم إلى داليدا"، وهو حدث ثقافي بارز يهدف إلى تكريم المسيرة الفنية والإرث الخالد لأبرز نجمات الغناء والتمثيل والاستعراض في العالم العربي على مدار أكثر من قرن من الزمان. يستعرض المعرض، الذي يُعد الأول من نوعه في المنطقة، الأدوار المحورية التي لعبتها هؤلاء الفنانات في تشكيل الهوية الثقافية العربية وإلهام الأجيال المتعاقبة، مؤكداً على مكانة بيروت كمركز إشعاع فني وثقافي.

خلفية المعرض ومفهومه

يستلهم معرض "ديفا" مفهومه من مصطلح "الأسطورة" أو "النجمة الخارقة" في عالم الفن، ويحتفي بالنساء اللواتي تجاوزن أدوار الفنانات ليصبحن أيقونات ثقافية واجتماعية. يغطي المعرض حقبة زمنية تمتد لأكثر من مائة عام، بدءاً من أوائل القرن العشرين وحتى العقود الأخيرة، متتبعاً التطورات في المشهد الفني العربي وتأثير هذه النجمات على الموسيقى والسينما والمسرح والمجتمع ككل. يعكس المعرض رؤية قيمية تهدف إلى تسليط الضوء على قوتهن الفنية وشخصياتهن المؤثرة، وكيف استطعن التغلب على التحديات المجتمعية لترسيخ مكانتهن كقوى دافعة للتغيير والابتكار الفني.

يقع متحف سرسق، الذي يستضيف هذا المعرض الفريد، في منطقة الأشرفية التاريخية ببيروت، ويُعد واحداً من أهم المؤسسات الفنية في لبنان. وقد عُرف المتحف منذ افتتاحه في عام 1961 بتقديم معارض مبتكرة تجمع بين الفن اللبناني والإقليمي والدولي، مما يجعله الموقع الأمثل لاستضافة هذا الاحتفاء بالذاكرة الفنية العربية. كما أن اختيار بيروت لاستضافة هذا الحدث ليس محض صدفة؛ فالمدينة لطالما كانت ولا تزال منارة للثقافة والفنون، ومركزاً لإنتاج المحتوى الفني الذي يتردد صداه في جميع أنحاء المنطقة.

أيقونات خالدة: من أم كلثوم إلى داليدا وما بينهما

يركز المعرض بشكل خاص على إرث فنانتين تجاوزتا الحدود الجغرافية والثقافية: أم كلثوم وداليدا، إلا أنه يتوسع ليشمل طيفاً واسعاً من النجمات الأخريات اللواتي ساهمن في تشكيل المشهد الفني.

أم كلثوم: تُعد "كوكب الشرق" رمزاً وطنياً وثقافياً لا يضاهى في العالم العربي. يبرز المعرض مسيرتها الغنائية الاستثنائية التي امتدت لعقود، وصوتها الأسطوري الذي لا يزال يصدح في الذاكرة الجمعية. كما يتناول المعرض دورها في توحيد الشعوب العربية عبر فنها، وحضورها الطاغي على المسرح وفي الإذاعة، حيث كانت حفلاتها الأسبوعية حدثاً ينتظره الملايين.
داليدا: فنانة من أصل مصري تحمل الجنسية الفرنسية، استطاعت أن تصنع لنفسها مجداً عالمياً بفضل صوتها الساحر وتنوعها اللغوي. يعرض المعرض كيف مزجت داليدا بين التأثيرات الشرقية والغربية في موسيقاها، وتألقها كفنانة استعراضية أثرت في الملايين في أوروبا والعالم العربي على حد سواء، لتصبح جسراً ثقافياً فنياً فريداً.
نجمات أخريات: بالإضافة إلى هاتين الأسطورتين، يسلط المعرض الضوء على فنانات رائدات أخريات في مجالات متنوعة، من ممثلات السينما الذهبية مثل فاتن حمامة وشادية، إلى رائدات الرقص الشرقي وفنانات المسرح، اللواتي كسرن الحواجز ومهدن الطريق للأجيال اللاحقة من الفنانات.

ماذا يعرض "ديفا"؟

يقدم المعرض تجربة غامرة للزوار من خلال مجموعة غنية ومتنوعة من المقتنيات والمعروضات التي تحكي قصص هؤلاء النجمات. تشمل هذه المعروضات:

أزياء أيقونية: فساتين سهرة وملابس مسرحية ارتدتها الفنانات، تعكس تطور الموضة وتأثيرها في كل حقبة.
مقتنيات شخصية: رسائل نادرة، مجوهرات، حقائب، وغيرها من الأغراض التي تمنح الزوار لمحة عن الحياة الشخصية لهؤلاء الأيقونات.
صور نادرة وأفلام وثائقية: أرشيف ضخم من الصور الفوتوغرافية التي لم تُنشر من قبل، ومقاطع فيلمية ووثائقية توثق مسيرتهن الفنية ولحظاتهن البارزة.
تسجيلات صوتية ومرئية: عروض سمعية وبصرية لمقاطع من أغانيهن وحواراتهن التلفزيونية والإذاعية، مع التركيز على التقنيات الحديثة التي تتيح للجمهور التفاعل مع المحتوى.
تصاميم المسارح والملصقات الفنية: نماذج ثلاثية الأبعاد لتصاميم المسارح التي قدمن عليها عروضهن، بالإضافة إلى ملصقات أفلام وحفلات تعكس جماليات الفن التصميمي في تلك الحقبة.

أهمية المعرض وتأثيره

يُعد معرض "ديفا" أكثر من مجرد عرض لمقتنيات فنية؛ إنه احتفال بالذاكرة الجماعية للعالم العربي وبقدرة الفن على تجاوز الأزمان والأجيال. تكمن أهمية هذا الحدث في عدة جوانب:

حفظ التراث الثقافي: يسهم المعرض في الحفاظ على الإرث الفني الغني لهذه النجمات وتوثيقه، مما يضمن وصوله إلى الأجيال القادمة.
إلهام الأجيال الجديدة: يقدم قدوة للشباب العربي، وخاصة الفتيات، حول أهمية المثابرة، الإبداع، وقوة التأثير الثقافي.
تعزيز مكانة بيروت الثقافية: يعيد المعرض تأكيد دور بيروت كعاصمة ثقافية وفنية للمنطقة، ووجهة للسياحة الثقافية، خاصة في سياق جهود المدينة للتعافي من التحديات التي واجهتها مؤخراً.
الحوار حول الهوية: يفتح المعرض باباً للحوار حول كيف ساهمت الفنون، وبشكل خاص الدور النسائي فيها، في تشكيل مفهوم الهوية العربية الحديثة وتطلعاتها.

يستمر المعرض لعدة أسابيع قادمة، ويدعو الزوار من كافة الأعمار والخلفيات لاستكشاف هذا العالم الساحر من الفن والتاريخ، والاحتفاء بالأسطورة الخالدة لنجمات سطرن أروع فصول الفن العربي.