أيام قرطاج المسرحية: منتدى دولي معمق يناقش الفنان وزمنه

تواصل فعاليات المنتدى الدولي المصاحب لأيام قرطاج المسرحية، اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر، أعماله لليوم الثاني على التوالي، مستقطباً نخبة من المبدعين والأكاديميين لمناقشة قضايا جوهرية تتعلق بالوجود الفني. ويأتي هذا المنتدى تحت عنوان «الفنان المسرحي زمنه وأعماله»، ليسلط الضوء على العلاقة المتشابكة بين الفنان، السياق التاريخي والاجتماعي الذي يعيش فيه، وتأثير ذلك على إبداعاته ومسيرته المهنية. ينطلق هذا التجمع الفكري الهام خلال الفترة من 24 إلى 26 نوفمبر، ويهدف إلى تعزيز الحوار النقدي وتبادل الخبرات بين المشاركين من تونس وعدد كبير من دول العالم، مما يجعله نقطة التقاء ثقافية وفنية دولية بامتياز.

خلفية المنتدى وأهميته السياقية

يُعد مهرجان أيام قرطاج المسرحية واحداً من أبرز الفعاليات الثقافية والفنية الرائدة في المنطقة العربية والإفريقية، ويتمتع بتاريخ عريق يمتد لعقود في دعم وتطوير الفن المسرحي. لا يقتصر دور المهرجان على تقديم عروض مسرحية متنوعة من مختلف أنحاء العالم، بل يمتد ليشمل تنظيم ملتقيات فكرية ومعرفية تسعى إلى إثراء المشهد الثقافي وتطوير الخطاب المسرحي النقدي. إن تنظيم هذا المنتدى الدولي ضمن فعاليات المهرجان يؤكد على التزام القائمين عليه بالبعد الفكري والمعرفي، وحرصهم على مواكبة التحديات والمتغيرات التي تواجه الفنان المسرحي في العصر الراهن، الذي يتسم بالتحولات المتسارعة على كافة الأصعدة.

تكتسب هذه النقاشات أهمية خاصة في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها العالم اليوم، سواء على الصعيد التكنولوجي مع ظهور أدوات رقمية جديدة، أو على الصعيد الاجتماعي والثقافي مع تغير أنماط التلقي والإنتاج. فالجمهور أصبح أكثر تفاعلاً وتطلباً، والأدوات الإبداعية تتجدد باستمرار، مما يفرض على الفنان المسرحي إعادة تقييم دوره ومسؤولياته تجاه مجتمعه وفنه. يسعى المنتدى لتقديم منصة شاملة لتحليل هذه المتغيرات وكيفية استثمارها بفعالية لخدمة الفن المسرحي، مؤكداً على أن المسرح ليس مجرد ترفيه بل مرآة تعكس هموم وتطلعات البشرية.

المحاور الرئيسية ونخبة المشاركين

يركز المنتدى على عدة محاور رئيسية تهدف إلى تفكيك مفهوم "زمن الفنان" وكيف يؤثر هذا الزمن بشكل مباشر أو غير مباشر على "أعماله" الفنية. تتضمن هذه المحاور استعراضاً معمقاً للمنظورات التاريخية والنقدية التي تناولت على مر العصور علاقة الفنان بمجتمعه، ودراسة للتحديات المعاصرة التي يواجهها المسرحي في عصر العولمة والرقمنة. كما يبحث المنتدى في سبل تطوير الأداء الفني والإنتاج المسرحي بما يتناسب مع روح العصر ومتطلباته الجديدة. تشمل بعض الموضوعات البارزة المطروحة للنقاش وتبادل الأفكار:

تحليل العلاقة الجدلية بين الفنان كفرد مبدع والواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المحيط به.
استكشاف تأثير التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي على عملية الإبداع المسرحي وتلقي الجمهور، وكيف يمكن للمسرح أن يتفاعل مع هذه الأدوات.
دراسة الموروث المسرحي الغني، وكيفية استلهامه وتطويره ليلامس قضايا الحاضر والمستقبل دون أن يفقد هويته الأصلية.
مناقشة دور المسرح في التعبير عن التحولات الثقافية والاجتماعية الكبرى، وكسر التابوهات، وتقديم رؤى نقدية للمجتمع.
التحديات الاقتصادية والتمويلية التي تواجه الإنتاج المسرحي المستقل والرسمي، والبحث عن نماذج مستدامة لدعم الفن.

يشارك في فعاليات المنتدى كوكبة متميزة من المفكرين والخبراء، مما يضمن ثراء النقاشات وتنوع وجهات النظر التي تثري التجربة الفكرية. من بين هؤلاء، يبرز أسماء لكتاب مسرحيين ومخرجين لهم بصمات واضحة في المشهد الفني العربي والدولي، إلى جانب أكاديميين وباحثين متخصصين في مجالات الفنون المسرحية، النقد الفني، والعلوم الإنسانية. هذا التنوع في الخلفيات الثقافية والفكرية يثري الحوار ويقدم رؤى متعددة الأبعاد حول القضايا المطروحة، مما يعزز من مكانة المنتدى كمركز للإشعاع الثقافي.

الأثر المتوقع والتطلعات المستقبلية

من المتوقع أن يثمر المنتدى عن مجموعة من التوصيات والمقترحات العملية التي من شأنها أن تسهم بفاعلية في تطوير العمل المسرحي، ليس فقط في تونس، بل في المنطقة العربية والعالم أجمع. كما يمثل هذا التجمع فرصة لا تقدر بثمن لتبادل الخبرات وتوطيد العلاقات المهنية بين الفاعلين الرئيسيين في المشهد المسرحي الدولي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون المشترك. تسعى أيام قرطاج المسرحية من خلال هذه المبادرات الفكرية إلى ترسيخ مكانتها كمنصة رائدة للفكر والإبداع، ومحفز للحركة المسرحية العالمية نحو مزيد من الابتكار والتألق. إن النقاشات الجارية حول «الفنان المسرحي زمنه وأعماله» من شأنها أن تشكل خريطة طريق للمستقبل، تساعد الفنانين على فهم تحدياتهم بشكل أعمق، وتحديد مسارات جديدة للابتكار والتأثير في مجتمعاتهم.

تؤكد هذه الفعاليات على الدور المحوري للمسرح كمرآة عاكسة للمجتمع، وكمحرك للتغيير الفكري والثقافي، مما يجعله أكثر من مجرد ترفيه، بل ضرورة حضارية وثقافية تستمر في التطور والنمو مع كل جيل جديد من الفنانين، مساهماً في تشكيل الوعي الجمعي وتقديم رؤى فنية ملهمة.